غسان سلامة وقادة الفساد وجهًا لوجه
خاص | حمزة جبودة
لا حُلفاء للبعثة الأممية ولا صديق لي في ليبيا، أنا مبعوث أممي لبلدكم، ومُهمّتي تنتهي حين تفرغون أنتم من تضييع الوقت والاكتفاء بلعنات شعبكم، الذي ملّكم جميعكم. رُبّما هذه المرة الوحيدة التي تفاجأ متصدرو المشهد البائس، بشجاعة مبعوثًا دوليًا وإعلان الحرب عليهم سياسيًا بدعمٍ عابر للحدود. غسان سلامة لم يكن يبحث عن الأضواء، اكتشف نفسه مُحاصرًا في ليبيا، وأن من أرسله إليها، أخطأ تشخيص حالتها. هي ليست أزمة سياسية ولا فكرية، لا تقرب للمخاض الذي تواجهه الدول بعد نكباتها، مخاض تُطرح فيه الأحلام الدفينة بعد أن يُمسح عنها غُبار التردد والخوف. ما تعيشه ليبيا لا يرتقي للحالة الطبيعية، إنما لحالة أخرى.
يبدأ دوامه عادة كما يبدأه أيّ موظف، يتأمّل في أوقات فراغه ملامح الوجوه التي قابلها في ليبيا، من سياسيين ومن حلفائهم، من الذين يُخبرونه بهموم مدنهم ومناطقهم، وآخرون يُخاطبونه وكأنه ليس مبعوثا أمميا. محاولين إدارجه إلى سلّة العار الوطني، ليُصبح يشبههم. هواية شاقّة أن تتأمل أو تتذكر كيف وصلت فيهِ إلى ليبيا، وكيف كُنتَ إيجابيا وتحوّلت بعدها إلى محرقة يُرمى فيه حطب الكراهية والجهل المُقدّس. بلا شكّ غسان سلامة سيُحاول الخروج من ليبيا، متى شاءت الصدفة أو موقف آخر أكثر جنونًا مِمّا يعيشه مع فاسدين ينتمون إلى الحزب الحاكم في ليبيا.
لن يصمد مبعوث آخر، سلامة يعرف هذا جيدا، لأنه قرأه بشكل أكثر دقّة، شخّص مرضها وأعلن أنها تُعاني من فيروسات ضارّة بالمجتمع، ويجب أن تُعالج، لا مناص إلا من إزاحة الأمراض المُعدية، التي تُنتج يوميًا، مليونيرا في ليبيا، وتقتل آخرين في معارك عبثية. وهُنا أزمة من يعتقدون أنهم لا يعيشون في أزمة. وهكذا قرأها العالم وكتب أدويتها الشرعية، حبوبًا من النبادول واجتماعا قبل النوم، بعدها في الصباح، للمراجعة في أصقاع الدنيا. ليس لأن العالم يحتاج مرضك المزمن، بل لأنك أنت من طلبت المرض وبعدها العلاج. قُلت أريد الشرعية، وبعدها طلبت الدعم وقالوا لك ببساطة: نحن ندعمك. ماذا تُريد أكثر؟ تحرّك!
لا إسلاميين ولا عسكريين قادرون على حُكم ليبيا، لا تملكون كُتلة وطنية مُتماسكة، ولا حتّى سياسيين قادرين على إدارة أزمة بلادهم بأقل الخسائر.. قد يُجبر الواقع القادم في ليبيا غسان سلامة على قول هذا التصريح. لأنه اكتفى بتركة كوبلر ومن خلفه ليون وطارق متري صاحب المتاهات.
تركة ثقيلة، أنهكها اتفاق لا أحد يؤمن بما جاء فيه، وفي ذات الوقت بالنسبة لهم مُقدّس، وهذا اللغز فكّكه المبعوث الأممي فور وصوله ولقائه بمن يدّعون أنهم يبحثون عن حلول. ومنها قرّر سلامة أن يقول لهم: لا تتلاعبوا معي، الملتقى يجمعنا على كل حال!