” غاندي ليبيا ” .. حين يخسر قاتله وينتصر “عبدالسلام المسماري”
“لابد من ليبيا وإن طال النضال”، عبارةٌ اختصرت الكثير من الأمنيات، وأمنياتٌ عُمّدت بدم صاحبها وكثيرٍ من رفاقه على امتداد الوجع الليبي، تمرّ هذه الأيام ذكرى اغتياله كالوخز الذي لم يبرح أجسادنا يوما منذ عقود، ليصبح ألما مبرحا كلما راودتنا الأحلام في وطنٍ رسم “عبدالسلام المسماري” ملامحه، بعيدا عمن اعتبرهم “جماعاتٌ منقلبة على الشرعية” في ذلك الوقت، لتكون كلماته الخطوةَ الأولى للنضال المدني المشروع الذي لم يرُق للبعض، ولعل المفارقة الغريبة هنا هي أن قاتلي المسماري قاموا بفعلتهم أمام “مسجد بوغولة”، مما يعني أن الحقوقي والكاتب والشاعر “المسماري” لم يعِش أي قطيعةٍ مع محيطه الاجتماعي، بل كان عدوه الذي لم يخجل يوما من أن يشير إليه بأصابعه وكلماته هو “الإسلام السياسي” الذي بدأ يتغلغل في الجسد الليبي منذ أن كان أمرُ الليبيين بيد “المجلس الانتقالي”، فكان “المسماري أول من حذّر من ذلك، وكما كان أول الخارجين على سلطة “العقيد” منذ الخامس عشر من فبراير 2011، فإنه لم يتردّد في الخروج مرّة أخرى عندما رأى أن ليبيا “المدنية” التي ستُبنى على قاعدة من الحرية والديمقراطية في خطر.
فقد كان الرّاحل أول من انتقد محاولات سيطرة جماعة “الإخوان المسلمين” على “المجلس الوطني الانتقالي” السابق، ولأن “ليبيا الواحدة” حلمه الذي “لم يتحقّف” بعد، فقد رفض المسماري تصرّف الجماعات المسلّحة التي حاصرت وزارتي “الداخلية” و”العدل” في طرابلس أيضا، في مايو “2013”، ليقرّر الرصاص الغادر في السادس والعشرين من يوليو 2013 أن يزهق روح “المسماري”، ويبعثر أحلامه في الدولة المدنية على إسفلت الحروب والمؤامرات، ولعلّنا نذكر أنه في نفس اليوم تمّ اغتيال عقيدين في “الجيش الليبي”، في محاولة واضحةٍ لتقويض كل معالم الدولة في ليبيا، فلا يبقى منها إلا من قتَل الليبيين “الثلاثة”، ليأتي “مفتاح بوزيد” بعد ذلك بعام، ويقول بأنه سيُقتل كما قتل “المسماري”، وتحقّقت نبوءة “بوزيد”، لكن أحلامه وأحلام المسماري في ليبيا لم تنتهِ، بل ستمدّ سواعدها من “ذاكرة الوطن” المرهَق، لتستمر في النضال الذي كان وسيكون طويلا.