“عن “تاورغاء” و “مانشستر “
حمزة جبودة
مدخل:
لا أصدّق أن بيتنا الذي رُمّم مند ولادتنا لم يسقط على رؤوسنا بعد ” فتحي عبدالسميع”
لا يهنأ أهالي تاورغاء النازحون في المخيمات، في العاصمة طرابلس، فكل أزمة أو صراع مسلح فيها ، لهم نصيب المرارة والويلات. وكأنهم موعودون بالشقاء والهمّ حتى في الشهر الفضيل، الذي من المفترض أن يكون شهر التسامح والهدوء،لا شهر القتل والاعتداء على الضعفاء، ومن لا يملكون قوة تقف في ظهرهم وتحميهم من توحّش الجماعات المسلحة.
الاعتداء الجديد الذي تعرّض له أهالي تاورغاء ليلة الأربعاء 31 مايو، يكشف الفجوة الكبيرة التي تفاقمت وأصبحت مُشرعنة بفعل الصمت، والتخفّي خلف البيانات المنددة والأخرى التي تُطالب من لا يحترم حُرمة الإنسان وكرامته، الاحتكام إلى العقل!
ست سنوات وأهالي تاورغاء يذوقون ما لا يخطر على أي “مُذنب” في ليبيا، وكل ” تاورغي أصبح مُباح الدم والتهجير والاعتقال، والقتل الممنهج. ست سنوات تراكمت فيها الحكومات والأحزاب والجماعات الإسلامية بكل أطيافها، ومنها من غادرت ومنها من بقي، ومنها من بدّل جلدته. ست سنوات تتغيّر جغرافيا البلاد وتتبدّل وفق ما تُمليه كل مرحلة، وأهل تاورغاء على حالهم الذي لم يتغيّر، رُغمًا عن المحاولات الخجولة لتسوية ملفّهم.
ست سنوات وأكثر، لم نسمع فيها أن تاورغيا أنضم إلى فصيل متطرف، أو شكّل جماعة مسلّحة، أو حتى انتقم ” مجازا ” لكل من غضّ الطرف عن أزمته وأزمة أهله المشتتين في ربوع وطن قِيل أنه وطن الجميع.
ست سنوات وأكثر، ولم نقرأ خبرًا واحدا يُدين أهل تاورغاء، أو يتهمهم في أي أزمة في ليبيا، ست سنوات وأكثر، كان فيها المخيم ملاذا في دولة ” الثوار ” والمبادئ التي تتفن في خلع ثوبها، كل لحظة.
تاورغاء المهجّرة، وأهلها لم يتورّطوا في هجوم إرهابي على دولة أخرى، ولم تتصدّر أسماء أبنائهم الصحف الدولية في قضايا التطرّف والتمويل المشبوه. فهُم مشغولون بقضية أخرى وهي قضية الرجوع إلى الوطن لا إلى مدينتهم، كما يُقال عادةً.
طيلة هذه السنوات، وأكثر. وماتزال الألسن تلوك بحرية الإنسان وحقّه في العيش الكريم، في بيته وبين أسرته، لا في سجون الجماعات المسلحة، التي تفننت في الاعتداء على العُزّل.
ولأن القهر يُولّد التطرّف والانتقام، وجب علينا ان نُقدّم شُكرا لأهل تاورغاء، الذين لم يلجأوا إلى السبل الأخرى لأخذ حقّهم الذي سُلب منهم، نُقدّم شكرا لهم لأنهم لم يشتروا السلاح والعتاد ولم يشكّلوا كتيبة ولم يقحموا أنفسهم في الصراع الدموي، والسياسي. قد تكون هذه الكلمات قاسية على البعض أو قد يقول أحدهم عنها، إنها تحريض أو دعوة للتمرّد، ولكن في المقابل، علينا أن نتفق أن هذا هو الواقع، وهذه هي النتائج السلبية التي يُولّدها المجتمع والدولة على الإنسان وعلى المجموعة. علينا أن نتفق أن ملف تاورغاء ليس لهُ علاقة بفبراير أو الفاتح، بل لهُ علاقة أخرى لا يستطيع أحد كشفها، أو يخجل أن يكشفها، وهي العنصرية بين الليبيين، بين البشرة السمراء والأخرى.. وهذه حقيقة قد ينكرها الجميع أو يتفق معها البعض.
هذه المُعطيات جميعها، ليست سرّا على من يُحاول معرفة الحقيقة الغائبة، وليست حكرا على أحد حين يعمل على تسوية ملف المهجّرين من ديارهم. لأسباب أصبحت اليوم مُضحكة حين تُقارن بما حدث بعدها، من تدمير للممتلكات العامة والخاصة، من قتل على الهوية وصناعة أجيال أخرى من المهجّرين.
تبيّنوا الحقيقة وأعلموا أن التاريخ والدستور لا يكتبه الأقوياء اليوم، تبيّنوا الحقيقة وأنقذوا أنفسكم بمساعدة المهجّرين والنازحين للعودة إلى ديارهم وأهلهم.. تبيّنوا الحقيقة وكونوا على يقين تامّ، أن لا دولة ولا ثورة تدوم إلى الأبد، ولكم في ليبيا خير مثال، لو تتأملون !