عن “الاختفاء القسري” والانتخابات المقبلة في ليبيا و”منصور عاطي”
تقرير 218
في شهر مارس الماضي، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، حكومة الوحدة الوطنية، بعد نيلها الثقة من مجلس النواب، لمنح الأولوية لحقوق الإنسان في ليبيا.
ونوهت الباحثة الأولى المختصة بليبيا في المنظمة حنان صلاح، حينها أنه “ينبغي للحكومة الليبية الجديدة إعطاء الأولوية العاجلة لسيادة القانون، والعدالة، والمساءلة، وكلها أساسية لضمان انتخابات حرة وعادلة. سيكون الاختبار الحقيقي للحكومة في انتخابات ديسمبر/كانون الأول في قدرة السلطات على حماية حرية التجمع، وتكوين الجمعيات، والتعبير للمشاركين”.
وأشارت هيومن رايتس ووتش، في دعوتها لحكومة الوحدة الوطنية، إلى أن هناك انتهاكات منهجية واحتجاز للآلاف تعسفاً لفترات طويلة، والإخفاء القسري، والتعذيب على يد الجماعات المسلحة التي تعمل في ظل الإفلات من العقاب والسلطات الحالية.
ومن جهة أخرى، طالبت منظمة العفو الدولية حكومة الوحدة الوطنية، إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان ومعالجة أزمة الإفلات من العقاب.
وذكرت المنظمة في تقرير لها حول الملف الحقوقي والإنساني في ليبيا، الذي أصدرته في شهر مايو الماضي، “تواجه حكومة الوحدة الوطنية صعوبات في فرض سيطرتها الكاملة على البلاد التي ظلت طوال سنوات عديدة تحكمها جماعات مسلحة وميليشيات لا تخضع للمساءلة”.
9 نقاط موجهة إلى حكومة الوحدة:
وأعدّت منظمة العفو الدولية، في تلك الفترة، أجندة لحقوق الإنسان من تسع نقاط دعت حكومة الوحدة الوطنية إلى تنفيذها، وكان أولها “كبح جماح الميليشيات والجماعات المسلحة ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب”.
ويليها، “التعاون مع آليات الأمم المتحدة مثل بعثة تقصي الحقائق التي أُنشئت للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ووضع حد لعمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات الجائرة، واحترام وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي وحماية حقوق المهاجرين واللاجئين واتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسير عودة النازحين داخلياً، ومكافحة العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف والتمييز المجحف القائم على النوع الاجتماعي بجميع أشكاله، واتخاذ إجراءات لضمان الحصول على قدم المساواة على قدر وافٍ من الرعاية الصحية، واتخاذ الخطوات اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام”.
منصور عاطي.. ليس آخرهم:
ومع كل هذه الدعوات من المنظمات الدولية والدعوات الليبية من قِبل الحقوقيين والقانونيين، منذ سنوات، إلى يومنا هذا، لم تُنتج أي بيئة ملائمة وآمنة لأصحاب الرأي ومن يعمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني.
ما تزال بعض المجموعات المسلحة في ليبيا، تمارس أنشطتها الإجرامية بعيداً عن المؤسسات الرسمية للدولة، في عمليات الخطف والإخفاء القسري والقتل والتعذيب وإرهاب من ينطق بكلمة يخالف رأيها.
اسمٌ آخر انضم مؤخرا لقائمة المختطفين في ليبيا، بعد أن كشفت الأمانة العامة للهلال الأحمر الليبي، عن اختفاء مدير فرع الهلال الأحمر أجدابيا، منصور عاطي، الخميس الماضي.
ولم تصدر أي جهة رسمية في ليبيا، أي توضيح أو بيان حول حادثة اختطاف منصور عاطي، ما يجعل الملف الحقوقي في ليبيا، ملفًا مُحرِجاً لحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، بسبب غياب المعالجة الممكنة لتفادي أي حوادث مماثلة في المستقبل القريب.
الانتخابات والإخفاء القسري:
لعلّ السؤال الغائب الآن، ما علاقة الانتخابات المقبلة بالإخفاء القسري؟ وهذا ما تُجيب عنه منظمة هيومن رايتس ووتش، التي ذكرت في تقريرها حول ليبيا للعام 2020، أن النظام القضائي والاحتجاز ظلّ معطلاً بسبب الإفلات من العقاب، وانعدام الأمن، والنزاعات المسلحة.
منصور عاطي والانتخابات:
الإجابة الأخرى عن هذا السؤال، تكمن في حادثة اختطاف منصور عاطي، نفسه، الذي يُعد من أبرز الشباب في ليبيا الذين لهم نشاط ملحوظ في إرساء الأسس الديمقراطية والمساعدة في صُنع واقع جديد للشباب.
وفي اليوم السابع والعشرين من شهر مايو الماضي، نشر منصور عاطي، عبر صفحته على الفيسبوك، حول “اعتماد محضر اجتماعات اللجنة متضمنة التوصيات التي توصلت إليها اللجنة بعد مداولات بين أعضائها بدأت يوم الاثنين الموافق 24 مايو، واستمرت لثلاثة أيام متواصلة و تمحورت التوصيات حول إطلاق مشروع مشترك لدعم المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات”.
وأوضح عاطي، حينها، أن التدريبات ترتكز على “عدد من المراقبين مساوٍ لعدد المحطات الانتخابية المتوقعة في الانتخابات القادمة، ووفق المعايير والضوابط القانونية المتبعة في عمل مفوضية الانتخابات، إضافة إلى وضع آليات لتنفيذ الخطة المقترحة والتركيز على أهمية هذه المراقبة في نزاهة وشفافية الانتخابات المتوقعة في 24 ديسمبر 2021”.
من يحمي الانتخابات؟
ما يعني أن الأزمة الأمنية في ليبيا، وغياب السلطة الموحدة والمتمثلة في جيش موحّد والأجهزة الأمنية، قد يُعرقل المسار الانتخابي ويُنتج في المقابل أزمات متلاحقة وأبرزها، تكميم الأفواه وتقييد الحريات، ما يجعل مهمة الانتخابات المقبلة مهمة صعبة على حكومة الوحدة، المعنية بتهيئة الأجواء في ليبيا للمرحلة المقبلة.
وعزّزت المسؤولة في منظمة العفو الدولية، ديانا الطحاوي، في تصريحها حول الأزمة الأمنية في ليبيا منذ سنوات، بقولها: “الحكومات المتعاقبة سعت لمهادنة الميليشيات القوية والخارجة عن السيطرة، وضمان ولائها من خلال كيل المديح لها، ومنحها مناصب رفيعة، وإضفاء الشرعية عليها”.
الانتخابات والحقوق المدنية:
وفق تعريف الأمم المتحدة، للانتخابات، فإنها “تشكل جزءاً حيوياً من العمليات الديمقراطية بما في ذلك الانتقال الديمقراطي وتنفيذ اتفاقات السلام وتوطيد الديمقراطية. وتضطلع الأمم المتحدة بدور رئيسي في توفير المساعدة الدولية لعمليات التغيير المهمة المذكورة”.
وبمعنى آخر، الانتخابات ليست هدفًا، إنما وسيلة للعبور إلى الدولة الديمقراطية التي تحترم الحقوق المدنية، وأُقترنت مفردة “الانتخابات” في كل الدول، بالمواطنة ودولة المؤسسات والتشريعات القانونية، التي تضمن وحدة وسيادة وحقوق المواطنين.
وبعد هذا السرد المختصر، يُمكن القول إن الانتخابات تحتاج لعدة عوامل أساسية، وأبرزها احترام الآراء وعدم الإقصاء وضمان حرية الفرد في اختياراته. وهذه العوامل لم تتوفر حتى اللحظة في ليبيا، ما يجعل مستقبل الانتخابات المقبل، مستقبلاً غير واضح المعالم، في ظلّ تهميش أهمّ الأُسس وهي الحقوق المدنية وإنهاء ملف الإخفاء القسري، الذي يُعد الملف الأكثر حضوراً وأهمية قبل التمهيد لمرحلة جديدة في ليبيا.