عندما يطول العمر
عمر أبو القاسم الككلي
من التزيد في القول أن ما يربط المرء بالعالم الذي يكتنفه، جسده الحي المتمتع بحواس تمتلك قدرا كافيا من السلامة يضمن حدا ملائما من أدائها وظائفها.
فحاسة اللمس، إضافة إلى توفيرها معرفة بنعومة وملاسة وطراوة الأجسام التي يلامسها الإنسان، أو خشونتها وقساوتها، أو حرارتها وبرودتها، بحيث تخلق لديه ردة فعل جاذبة أو منذرة، هي المسؤولة عن توليد متعة الملامسة الجسدية الغرامية.
وحاسة الشم تشكل إنذارا في حالة وجود روائح كريهة وارتياحا عند وجود روائح سارة، ولسنا في حاجة إلى التطرق إلى دورها في العلاقات الحميمة. وحاسة التذوق تدفع إلى تجنب الطعوم المرفوضة وينشأ عنها التذاذ بالطعوم اللذيذة. أما حاسة السمع، فإضافة إلى دورها المهم في التواصل البشري، تجعل الإنسان يرتاح إلى الأصوات الجميلة ويستمتع بالموسيقى والغناء. أما حاسة البصر، فزيادة على دورها في التواصل البشري هي الأخرى، تمكن الإنسان من مشاهدة ومعرفة ما حوله ومن السير بسهولة وشق طريقه بين الأشياء.
مع التقدم في العمر تأخذ حواس الإنسان في التناقص والتدهور، شيئا فشيئا، وتضعف، تدريجيا، صلة المرء بالعالم وإحساسه به، ويقل بذلك التذاذه وابتهاجه بما هو مدعاة للسرور من حوله.
ولعل أسوأ شيء يمكن أن يحصل للإنسان هو افتقاده حاسة البصر وإصابته بالعمى التام، بحيث تصبح حياته ظلاما كثيفا دامسا لا فرق فيه بين الليل والنهار، ولا نهاية له ولا مخرج منه. ذلك يفقده جزءا كبيرا من المقدرة على التواصل مع البشر والتعرف على العالم المحيط به والاستمتاع بالجمال في البشر والجمادات والأشجار ومظاهر الطبيعة كافة والأشكال والألوان والفنون البصرية، ويربك حركته وحياته بمجملها بحيث يصبح معتمدا على غيره.
أريد أن أبوح بأن هذا أمر يرعبني التفكير فيه أنا شخصيا، ذلك أنني أحس أنني في طريقي إليه إذا امتد بي العمر سنينا أكثر.
لذا أصبحت أفكر في أن أخصص على الأقل ربع ساعة يوميا للتدرب على التصرف كأعمي، كي أهيأ نفسي، نسبيا بالطبع، لمواجهة هذا الوضع إذا ألم بي والتخفيف من تأثيره الفادح على معنوياتي.