مقالات مختارة
طيّبون
نشر في: 20/12/2019 - 20:16
سمير عطا الله
احتفلت الخرطوم بالذكرى الأولى للثورة في جوّ ربيعي دافئ وشمس مشرقة على ثلاثين درجة مئوية. وقد أثبت السوداني أنه يمتلك طاقة إيجابية فريدة تمكّنه من تحمّل الأيام المتداولة في قلب رحب وطيبة لا تتغيّر. وكل شعوب العالم تلقي التحية سائلة: «كيف الحال؟ أو كيف الصحة؟»، أو كما يقول المصريون تأثّراً بالتحية الإنجليزية القديمة: «عامل إيه؟»، نقْلاً عن How do you do، التي لم تعد تُستخدم في البلاد الناطقة بلغة إليزابيث، الأمّ والابنة.
السودانيون أكثر حرصاً عليك: طيّبون! وأكثر حرصاً حتى على الرجل الذي رماهم بالانقلاب ورموه في السجن بتهم كثيرة، بينها المتاجرة بالعملات الأجنبية: هل تذكر حكاية الملايين التي وُجدت في منزل الرئيس عمر حسن البشير؟ هذه تهمة بسيطة، عقوبتها عامان من العمل في المساعدة الاجتماعية. لقد ضجّ العالم من رقي هذا العقاب. لكن يبدو أن ما بقي من التهم لن يكون على الطريقة الدنماركية.
كيفما قلبت حكاية الرؤساء العرب، مأساة. العقاب الأقصى على البشير، أنه مُنع من مقابلة أمّه الحاجّة هديّة الزين قبل احتضارها عن 92 عاماً. ولم يصارحها أحد بأنه عُزل وسُجن، بل كلّما سألت عنه، قيل لها: «عمر مسافر». ويُروى أن الحاجّة هديّة، وباعتبارها أمّاً قبل أي شيء، قالت للذين جاءوا يهنّئونها برئاسة عمر قبل 30 عاماً: «تهنّئوني على ماذا؟ إسماعيل الأزهري الذي حرّر السودان من الإنجليز، مات في السجن». وقد أطاح تلك القامة التاريخية يومها، النقيب جعفر النميري، الذي خلفه سوار الذهب، الذي بدّد إرثه عمر البشير. وقد نشر البشير إخوته وعائلاتهم في السلطة. وبلغت السيدة نور الهدى، زوجة شقيقه الأصغر، محمد، مرتبة فريق في الشرطة، وهي رتبة البشير عمر في الجيش. ومعروف أنه ليس من رتبة أعلى في الجيوش العربية الباسلة، سوى المشير، وقد منحها عمر لنفسه، أسوة بالمشير عبد الله السلال والمشير عبد الحكيم عامر ومشير الميدان مونتغمري، بطل معركة العلمين. وبعكس البشير، كان هذا قاسي القلب، فظّاً، فلما جاءت أمّه تزوره في الثكنة، بعد انتصاره، رفض استقبالها. وبعكس البشير أيضاً، لم يحمل عصا المارشالية التي كان يرقص بها البشير. إلا أن عصاه كانت أيضاً، بمواصفات خاصّة، بعيدة عن العصا القصيرة البسيطة التي يحملها الغربيون. وفي ذاكرتي أن ضبّاط الشرطة في لبنان (وسوريا)، كانوا يحملون دائماً عصا لها مسكة جلدية، يضربون بها دائماً على بناطيلهم الواسعة فوق الركبة، مثل سراويل الخيّالة، ضربة فنّية، دلالة الزهو والسلطة. الرقص لم يكن وارداً.
السودانيون أكثر حرصاً عليك: طيّبون! وأكثر حرصاً حتى على الرجل الذي رماهم بالانقلاب ورموه في السجن بتهم كثيرة، بينها المتاجرة بالعملات الأجنبية: هل تذكر حكاية الملايين التي وُجدت في منزل الرئيس عمر حسن البشير؟ هذه تهمة بسيطة، عقوبتها عامان من العمل في المساعدة الاجتماعية. لقد ضجّ العالم من رقي هذا العقاب. لكن يبدو أن ما بقي من التهم لن يكون على الطريقة الدنماركية.
كيفما قلبت حكاية الرؤساء العرب، مأساة. العقاب الأقصى على البشير، أنه مُنع من مقابلة أمّه الحاجّة هديّة الزين قبل احتضارها عن 92 عاماً. ولم يصارحها أحد بأنه عُزل وسُجن، بل كلّما سألت عنه، قيل لها: «عمر مسافر». ويُروى أن الحاجّة هديّة، وباعتبارها أمّاً قبل أي شيء، قالت للذين جاءوا يهنّئونها برئاسة عمر قبل 30 عاماً: «تهنّئوني على ماذا؟ إسماعيل الأزهري الذي حرّر السودان من الإنجليز، مات في السجن». وقد أطاح تلك القامة التاريخية يومها، النقيب جعفر النميري، الذي خلفه سوار الذهب، الذي بدّد إرثه عمر البشير. وقد نشر البشير إخوته وعائلاتهم في السلطة. وبلغت السيدة نور الهدى، زوجة شقيقه الأصغر، محمد، مرتبة فريق في الشرطة، وهي رتبة البشير عمر في الجيش. ومعروف أنه ليس من رتبة أعلى في الجيوش العربية الباسلة، سوى المشير، وقد منحها عمر لنفسه، أسوة بالمشير عبد الله السلال والمشير عبد الحكيم عامر ومشير الميدان مونتغمري، بطل معركة العلمين. وبعكس البشير، كان هذا قاسي القلب، فظّاً، فلما جاءت أمّه تزوره في الثكنة، بعد انتصاره، رفض استقبالها. وبعكس البشير أيضاً، لم يحمل عصا المارشالية التي كان يرقص بها البشير. إلا أن عصاه كانت أيضاً، بمواصفات خاصّة، بعيدة عن العصا القصيرة البسيطة التي يحملها الغربيون. وفي ذاكرتي أن ضبّاط الشرطة في لبنان (وسوريا)، كانوا يحملون دائماً عصا لها مسكة جلدية، يضربون بها دائماً على بناطيلهم الواسعة فوق الركبة، مثل سراويل الخيّالة، ضربة فنّية، دلالة الزهو والسلطة. الرقص لم يكن وارداً.