“طيّارة الفلوس”.. نقطة بيضاء في عين طفلٍ ليبي
خاص (218)
أحلام المهدي
عندما كُنّا أطفالا، كانت العصافير والفراشات أول عهدنا بالسماء وبالأجسام الطائرة، حتّى أننا نصرخ بفرح طفولي قوامه الدّهشة عندما نلمح نقطةً بيضاء بعيدة في السماء الشاسعة، بعد أن يخبرنا صوتٌ قويٌّ وقريب أن ما تقع عيوننا عليه الآن ليس عصفورا ولا فراشة ولا غير ذلك من الكائنات الحية، بل هو “طائرة”، وكأطفال ليبيين قد يكون بعضنا لم يَزُر مدينة ألعابٍ في حياته تساءلنا عن هذا الشيء الغريب، وأجابَنا الكبار ببساطة: إنها “الطيّارة”، إنها سيارة السماء التي لا تسير على الطرقات، لكنها تحمل النّاس إلى الأماكن البعيدة على هذا الكوكب.
لكن ما يحدث مع أطفالنا اليوم ومنذ “2011”، جعلهم يكبرون أعواما كثيرة في بضع سنين، وكما صار صوت الأسلحة المختلفة مألوفا في أذن وذاكرة الطفل الليبي، فإن السماء لم تعُد أيضا حكرا على العصافير والفراشات والطيّارات البعيدة، بل فرضت الأحداث على أطفال ليبيا مشاهد كثيرة هزّت السكينة في نفوسهم، وارتبطت في أذهانهم بالأزمات المختلفة التي طالتهم بشكلٍ أو بآخر، ومن المشاهد التي ارتبطت بالسماء ورصَدتها عيون الأطفال “طيّارة الفلوس”، فمن يُمَنّي النفس بالحصول على لعبةٍ أو حذاء جديد ويعِده والده بابتياعه له فور حصوله على “راتبه الشهري”، سينتظر بفارغ الصبر وصول هذا الراتب ليُحقّق حلمه الصغير.
ولأن أحاديث الكبار ستجد طريقها حتما إلى آذان الصغار، فإن الكلام عن الطائرات التي تحمل “النقود” إلى المناطق الليبية البعيدة جعلت عيون الأطفال تراقب السماء، لتبتهج عندما تلمح جسما صغيرا لطائرة ميّزتها عقولهم الصغيرة باللون البرتقالي أحيانا وباللون الأبيض أحيانا أخرى، جازمين أن النقود التي ستحل مشاكلهم وتجلب ألعابهم هي على متن هذه الطائرة، لترتبط السماء هنا بالسعادة المُنتَظَرة، ولم يعُد غريبا أن ترى سربا من الأطفال يركضون وهم يلوّحون بأيديهم الصغيرة لطائرة بعيدة في السماء، وهم يعتقدون أنها ستشتري لهم الدنيا التي يعيشون على هامشها منذ زمن طويل استهلك أجمل سنين طفولتهم.