طريق ضيق إلى عمق الشمال (13)
ماتسو باشو
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
محطة (36): كوماتسو
قصيدة ألفت على الطريق:
حمراء، هي الشمس،
وغير مكترثة بالزمن،
إلا أن الريح تعلم، بالطبع،
دلائل البرد المبكر.
في مكان يسمى الصنوبرة القزمة
الصنوبرة القزمة، فعلا
اسم لطيف، وفي لطافة
تمشط الريح
البرسيم والحلفاء.
ذهبت إلى مقام تادا الواقع في الجوار، حيث رأيت خوذة السيد سينموري وقطعة ملابس مطرزة كان يرتديها تحت تدريعه. وحسب المتداول فإنها قدمت له من قبل يوشيتومو حينما كان في خدمة منياموتوس. الخوذة غير عادية، حقا، مع زخرفات أقحوان ذهبي تغطي الواجهة ووقاء الأذن، مع تنين ناري يستقر بفخر على السطح وقرنين يتجهان إلى السماء. سجلات المقام تعطي حكاية مؤثرة عن كيف أنه، حين حدث الموت البطولي للسيد سينيموري، أرسل كيسو نو يوشيناكا خادمه الأثير هيغوتشي نو ادجيرو إلى المقام لتعميد الخوذة مع رسالة تحوي صلاة:
شعرت بالجلال
عند سماعي الجدجد يغني
داخل قبة الخوذة القديمة.
محطة (37): ناتاديرا
كانت قمة جبل شيرين البيضاء ترصدني من الخلف، وأنا في طريقي إلى نبع ياماناكا الساخن. آخر المطاف، بلغت نقطة بها معبد عال بحذاء الجبل على اليسار. تقول الحكاية أن هذا المعبد بني من قبل الإمبراطور كازان، ليحوي [تمثال] إلهة الرحمة العظيمة كانون، بعد أن أتم الإمبراطور طوافه بما يسمى الثلاثة والثلاثون معبدا مقدسا. واسم ناتا يمثل مزجا لاسمي ناتش وتنايغومي، أول وآخر معبد من هذه المعابد على التوالي. ثمة صخور جميلة وأشجار صنوبر عتيقة بالحديقة، والإلهة موضوعة في بيت مسقوف بالقش بني فوق صخرة. المكان كله حافل بمناظر غريبة
أشدَّ بياضا
من صخور معبد الصخرة،
تهب رياح الخريف.
استمتعت بحمام في النبع الساخن الذي لا يفوق صيتَ خصائصه صيتُ أي نبع آخر، باستثناء نبع أرايكي الساخن.
متنعما بهذا الاستحمام
في نبع ياماناكا المنعش،
ما من حاجة لتنشق عبق الأقحوان
الذي يرد الروح
مضيف النزل شاب اسمه كيومينوسوكي. كان أبوه شاعرا، وثمة قصة مدعاة للاهتمام بخصوصه: ذات يوم حين جاء إلى هذا المكان تايشيتسو (لاحقا سيكون شاعرا شهيرا في كيوتو، لكنه كان شابا حينها) قابل هذا الرجل وشعر بحرج بالغ بسبب جهله بالشعر. لذا حين عاد إلى كيوتو تتلمذ على يد تايتوكو، ولم ينقطع عن دراسة الشعر إلى أن تأسس كشاعر أصيل. وكان معروفا أن تايشيتسو يعطي توجيهات في الشعر لأي أحد من قريته طوال حياته دون مقابل. ينبغي الإشارة إلى أن هذه الحكاية حدثت في زمن بعيد.
مرافقي، سورا، أصابه مرض عضال في معدته. لذا قرر الإسراع باللجوء إلى أقاربه في قرية ناغاشيما بإقليم آيز. وهو يودعني كتب:
أين يكون موضع سقوطي
على الطريق
فلأدفن وسط برسيم مزهر.
في حشاشة قلبي، شعرت بالأسى للذي ذهب والكرب للذي بقي، تماما كالطائر التائه عن سربه وسط سحب سوداء، فكتبت مجيبا:
منذ اليوم فصاعدا، يا للأسف،
ستزيل قطرات الندى
الحروف المكتوبة بقبعتي
القائلة “رفيقا سفر”*
* كان من عادة اليبانيين المترافقين في سفر كتابة مثل هذه العبارات على قبعاتهم.