طرابلس من “روشن” السيارة!
عمار المنصوري
مثل كل يوم أتصفح عناوين الأخبار والصفحات الإلكترونية حتى مناشير الأصدقاء على السوشيال ميديا، ورغم همي واهتمامي الشديد بما يحدث في بلدي ووطني ليبيا بجميع مدنها ومناطقها، إلا أن عيوني لا تفوّت حرفا أو صورة تنشر عن عروس البحر طرابلس، فأخبارها أخباري وحالها حال أهلي وأصحابي، كل يوم وكل أسبوع أتفاجأ بخبر أو صورة تعكر صفوة سماء طرابلس التي تغطي ذهني وذاكرتي، فها هو مشهد لجريمة قتل على العلن في شارع كنت لا تمر أياما إلا وأمر عبره، وها هي مدرعات الحروب تحوم وسط معالم وشوارع عروسي طرابلس، جلست وأجبرت عقلي أن يسترجع صور هذه المدينة التي عشت وترعرت فيها لأتذكر قصتي معها قبل أن تختفي في ذاكرة يمحوها دخان القصف ويغرقها طوفان الدم.
حكايتي الطرابلسية ارتبطت بدايتها ببدايتي مع أول مره قدت السيارة فيها بنفسي وكانت مغامرتي من بيت عمتي في حي الأندلس مرورا بقاعة الشعب قاصداً الميناء والسرايا وطريق الشط .
كان يوم جمعة قبل غروب الشمس بقليل، لم يكن الشارع مزدحما بالسيارات وكنت أستمع للموسيقى التي أحبها نظرت يسارا رأيت بحر طرابلس الذي تصل بعض من قطرات موجه على زجاج السيارة، أما يمينا فسحرني التاريخ في أسوار المدينة القديمة والسرايا حتى المباني التي تعتبر حديثة أحبها فهي أثمن من جميع أبراج العالم.
السرايا لم أرَ في مثل جمالها في أكثر من 17 دولة زرتها من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، فهي تذكرني بالجدات اللاتي تحملن كل الصعاب بابتسامة لا تفارق وجوههن، مزينة بخطوط الزمن القاسي، وصلت الميدان لا يهمني ماذا تسميه عزيزي القارئ فهذا لا يغير من ذكرياته في أذهان جميع الليبيين وقت السلم ووقت الثورة حتى وقت الحرب، اتجهت لشوارع البلاد ورغم مروري اليومي من هذه الشوارع إلا أن ترتيب وجمال “أنزاكة” محلات طرابلس دائماً هي متعة للناظرين والملابس المنسقة تعكس ذوق شباب المدينة الراقي، وسوق ومحل تجمع لشباب يضحكون وينتظرون قوة المكياطة.
أكملت طريقي نحو بريوش الحاج فتحي، حيث وجدت من لم أتوقع أن أجده من الأصدقاء هناك، فهذه ميزة بريوش ميزران، قبلة الجميع من كل مناطق المدينة حتى زوارها.
يرتفع أذان المغرب في جامع ميزران لأرى الشباب متجهين للنداء دون حقد أو كره، دون سماع حديث الأحزاب والأطياف والأطراف المتصارعة، لا تسمع تكفيرا فصوت التكبير كان أعلى، عدت للسيارة وأكملت مشواري من الأزقة الصغيرة حتى رأيت النساء والجارات يزرن بعضهن البعض وتتعالى أصوات ضحكاتهم من الشبابيك المفتوحة والأبواب، ورائحة النعناع تفوح من الشاهي والعالة وكل بيت أرضية بابه مبللة، فهي عادة طرابلسية ليكون باب البيت نظيفا صباحا ومساء.
أقترب من بيتي في فشلوم وأبدأ بتوزيع التحايا على هذا وذاك في شارعنا، حتى من لا أعرفه جيدا لأنها نشوة قيادة السيارة للمرة الأولى.
دخلت البيت وأجد أمي وأبي وخالتي وزوج خالتي وجارتنا مجتمعين تغمرهم البهجة والسعادة كما لو أنهم لم يلتقوا منذ زمن طويل لا تهمني كثيرا إن كانت أحاديثهم عن أحد ” قرمة ” أم لا، ما يهمني هو أنهم سعداء في تلك اللحظة وهم أدرى باختيار المواضيع لصناعة سعادتهم، فحتى أنا صنعت سعادتي في جولة بالسيارة دون أن تكون لي رخصة قيادة، اختراق للقانون توارثناه بسبب حكم علمنا هذا طيلة سنوات حكمه قبل 2011.
هذا ما يمر في بالي عندما أسمع اسم طرابلس، فماذا سيحصل لي إذا فكرت بها باشتياق لن تكفي حينها كلماتي وصف الاشتياق، ولا تعتقد عزيزي القارئ أنني كنت أبالغ في الوصف أو أكتب قصيدة حب، هي مجرد مشاعر مغترب تذكر لحظة قيادة السيارة للمرة الأولى، فصور طرابلس كانت لا توصف من شباك ‘روشن’ السيارة