صندوقك الإلكتروني الأسود
محمد الطيب
لم تعد السوشيال ميديا مرآة لمرتاديها فهي لا تعكس حقيقة كل مدون بها، فمع مرور الزمن وتطور العلاقة التي تربطنا معها أصبح الجميع يختار بدقة ما يكتب، ما ينشر وعن ماذا يعلق لأن وبكل بساطة لم تعد لعبة وأداة نستخدمها كيفما نشاء فالعقاب سيكون شديدا بسبب استهتارنا في استخدامها
دعوني لا أعقد مفهوم هذا المقال وأجعله بسيطا حتى تتضح حقيقة وجودنا اليوم في عالم السوشيال ميديا للجميع، في العادة عندما يتقدم عريس لطلب الزواج من فتاة تبدأ كلا العائلتين بالبحث والسؤال عن تاريخ العريس والعروس من خلال الأقارب والجيران والأصدقاء، وجمع أكبر قدر من المعلومات لمعرفة تاريخ كل منهما وعلى أساسه يتم موافقة البعض ورفض البعض الآخر أي بمعنى أن تاريخك يشهد لك أو ضدك وقت الحاجة له، وهناك من يتقدم لوظيفة يتم مراجعة سيرته الذاتية والتحقق منها من خلال سؤال المدير السابق أو زملاء عملت معهم ليشهدوا لك أو ضدك أيضا، وهنا بالفعل نستطيع أن نقول إن تاريخك الذي كنت المسؤول عنه لم يعد ملكك، بل هو ملك كل من حولك فهم مسؤولون عن شكله وتفاصيله.
بعد أن أصبحنا نشارك تفاصيل حياتنا بل أدق تفاصيل أفكارنا عبر صفحاتنا في السوشيال ميديا أصبح لدينا تاريخ موثق في كشكول الحسابات الإلكتروني يمكن للجميع تصفحه في أي وقت ومن أي مكان، فقط بالبحث في صفحاتك والعودة لسنوات سابقة كنت قد دونت أو علقت عن أشياء من خلالها، من منا اليوم لم يتفاجأ بخدمة التذكير بالفيسبوك، عندما يقوم الموقع “في مدونتك الخاصة ” بتذكيرك بأشياء قمت بنشرها في سنوات سابقة، أحيانا نتفاجأ باختلاف طريقة تفكيرنا اليوم عن الماضي، أو ربما نتفاجأ بأخطاء ارتكبناها في الماضي لنسرع بحذفها خوفا من تقبل حقيقة كيف كنا نفكر في الماضي، وأحيانا كثيرة نقول’ أنا لا أتذكر هذا ‘، ربما فعلا لا نتذكر لكن العقل الإلكتروني يتذكر حتى إن قمت بحذفه فهو لا زال موثقا في أرشيف تاريخك الإلكتروني في هذه المواقع.
دعوني هنا أضعكم أمام أشهر حادثة وقعت حول تاريخ المستخدمين الإلكتروني، ففي بداية عام 2019 وبالتحديد قبل توزيع جوائز الأوسكار كان من المفترض أن يقدم الحفل الممثل الشهير ” كيفين هارت ” حسب اتفاق إدارة الجائزة وتصريحاتها، إلا أنه وقبل الحدث بأيام قليلة تم إعادة نشر تغريدة قديمة له، تحدث فيها عن حادثة بينت عنصريته اتجاه المثليين في أمريكا، وحينها كانت إدارة الجائزة قلقة اتجاه العديد من قضايا مشابهة، وحتى بعد أن قام الممثل كيفن هارت بحذف التغريدة ضلت شاهدة على تاريخه ودور المشاهير في الماضي وكيف ستكون بمثابة شاهد يتم استدعاؤه وقت الحاجة .
” نحن لسنا مشاهير ولسنا في دول فيها قانون يحاسبنا على أفعالنا الإلكترونية ” ستمر هذه الجملة في بالك بعد قراءة كل ما تم ذكره، لكن هذا ما حدث خلال سنوات قليلة من ظهور السوشيال ميديا، وعلى هذا المنوال يتوقع الكثيرون أن ملفك الإلكتروني سيكون ضمن أهم المستندات المطلوبة عندما تتقدم لطلب تأشيرة لدولة ما، أو الحصول على منحة دراسة في جامعة ما، وأيضا هناك العديد من الفنانين والمخرجين والأدباء الليبيين الذين لا ينتبهون على ما يقومون بنشره، ولا يعلمون أنه في يوم ما قد تكون مناشيرهم الإلكترونية شاهدا قاسيا في حفل تكريم أو في فرصة عمل في دول تحفظ الحقوق وتحاسب على كل حرف كتبته ودونته في منصاتك الإلكترونية .
الصين بدأت بالفعل في إنشاء قاعدة بيانات تتابع مستخدمي السوشيال ميديا وتقوم الحكومة بتخزين بيانات كل مستخدم من خلال بصمة الوجه، الصوت، والأصبع ومعرفة كل مواطن عن ماذا يتحدث وماذا يفضل وكيف يفكر ليتم إطلاق مشروع المراقب الإلكتروني في السنوات القليلة القادمة، وتم ذكر هذا في العديد من البرامج والمواقع العربية والعالمية، باختصار مثلما تتم محاسبة الجميع على أرض الواقع، يوما ما سيكون هناك محاسبة على أفعالنا في السوشيال ميديا والصندوق الإلكتروني الأسود سيكون شاهدا.