صدّام حسين وليبيا العقيد
حمزة جبودة
“فتح طرابلس”، “إعدام صدام حسين”، حدثان في ذاكرة الليبيين والعراقيين وكل المنطقة، الحدث الأول أدخل ليبيا في لُعبة لم تخرج منها إلى اليوم، الحدث الثاني كان درسًا قاسيًا في مُفكّرة الأنظمة العسكرية، التي عمِلت على تأجيج الشارع ضد أيّ نظام أو جماعات تراها خطرا يُهدّد بقاءها في السلطة.
معمر القذافي، كان من أوائل الذين ترجموا الحدث الثاني بشكل جيد، فكّك المشهد ووضعه على طاولته، شاهد نفسه يُشنق في خيمته المتينة، ولمح طيف بوش الأبن يُلقي خطاب النصر عليه وهُو مُنتشي: انتصرنا على الديكتاتور، مِثلما عهدناكم أن نقتلع الأنظمة التي تحرم شعوبها من الحرية والمُساواة.. سينعم العالم بالأمن بعد أن قتلنا صدام حسين ومعمر القذافي. ولكنّ معمر صحَا من الكابوس، وحاول أن يُمدّد لنفسه أبد الدهر، وأن يترك لهم نسخته المُطوّرة التي تمتاز بالحداثة وتنتهج خطاب المعارضة، ابنه سيف الإسلام، ويُقدّمه لأمريكا والعالم على أن الشاب الجديد، لن ينطق باسم الثورة، ولن يُعاديكم.. سيجلس ويتعاون معكم في كل المسائل التي ترون أنها تحتاج لإصلاح.
أخطأ صدام حسين حين توّهم أن الدفتر العتيق الذي تملكه بغداد، سيُنقذه من الآلة الأمريكية، وأن هولاكو كان آخرهم، لم يقرأ الدرس لأنه كان مشغولا بحروبه العبثية، ومزاجه المُتقلّب الذي كان وبالاً على رِفاقه وكل من دخل على مكتبه الخاص، وجلس معهُ.
رفيقه الآخر، معمر القذافي، كان مُختلفًا عنه، بعد أن أعاد لعقله ما كان عليه، أمريكا هي العدوّ، والغرب تابع لمن يدفع أكثر. أدخل نفسه في متاهات جديدة، جلس مع برلسكوني، ودفع الأموال لساركوزي، وعيّن توني بلير مستشارًا لابنه سيف الإسلام. بقت أمريكا تُراقب المشهد عن كثب. وأيقنت أن القذافي يتلاعب ببعض الملفات الحسّاسة، منها الغاز والثروات الليبية الهائلة التي جعلت من ليبيا محجًّا بعد أن أُزيح الحصار عن سماء طرابلس. راقبت أمريكا مزاج العقيد في ربيع الثورات، حاولت أن تقول حينها عبر رئيسها باراك أوباما، إن كتائبه تنتصر على الثوار. لكنّ ساركوزي أعلنها لوحده وأطلق طير الأبابيل على ليبيا، ما جعل صاحب الخيمة، يُغيّر خطّته، ويستدعي صدام حسين على وجه السرعة، ليقول لهُ: سأخطب في الجموع وسينزل المارينز الأمريكي، ويقتلني..أنا الثاني بعد عمر المختار في ليبيا، وأنا الثاني من بعدك ياصدّام حسين. وقتها كان أبو عديّ يسمع القذافي ويتأمل سماء ليبيا، ولم يُعلّق بحرف على ما قاله. وأنتهى المشهد بشكل مُختلف تمامًا عمّا حدث لصدام. العقيد قُتل في ليبيا، على يدِ من أسماهم بأبناءه، صدّام حسين قُتل على يدِ أبناء بلدهِ.
طرابلس دخلها ليبيون وبغداد دخلها المارينز. ما يجعل من الأولى فتحًا والثانية غزوًا. وإن تخيّلت أن طرابلس سيدخلها الأمريكان بذات الطريقة التي دخلوا منها إلى بغداد، يجب أن تُعيد قراءة ماحدث لهم في العراق. لن تُكرّر أمريكا خطأها الأول. ولن تكون واجهة جديدة. لأنها تغيّرت، بعد أن وصل “التاجر” دونالد ترامب إلى الحُكم. وليبيا ستكون أرقامًا على شاشات البورصة السياسية، من يكسبها ومن يخسرها. دُون أن يُوحي لليبيين أنه يتدخل في شؤونهم. والمُستفيد الأكبر في لُعبة الأرقام، هُم هؤلاء الذين يجب أن يُزيحوا اعتقادهم أن خيمة القذافي يُمكن أن تكون مكتبًا أو قُبّة برلمان، يتم الحكم من خلالها. لم تعد ليبيا كما كانت، طرابلس ماتزال متعبة ومُنهكة مند أن دخلها “أولادها” وأفسدوا بيتها، ليبيا لم تعُد كما كانت خيمةً وخطابا ورجلا أوحدا يحكم بنفسه، ليبيا اليوم أصبحت أكثر شراسة مِمّا كانت، تُحاول أن تنسى القائد الأوحد، ومن جاء من بعده، رجال البدل الأنيقة، أصحاب المدنية، وأعداء العمل من أجلها.
لن تكون طرابلس بغداد الجديدة اليوم، ولن يكون صدّام حسين نُسخة العقيد. المشهد برُمّته يجب إكرامه ودفنه مع كل المراحل. التاريخ يتبدّل، العالم كُلّه أصبح يراقب الآخرين.. ماذا يمتلكون، هل لديهم اقتصاد، أين مشروعهم، لماذا لا يجلسون معًا ويختصرون المسافات، ليبيا واحدة من الآخرين، ليبيا مشروع جاهز لمن يملك زِمام المُبادرة والمضي قُدمًا في مصافِ الدوّل التي أعطت الدروس في الخراب والبناء. الفرصة لن تأتي إن لم تُصنع بأيادٍ قرأت وتمعّنت دروس من سبقها.