سُعار ليبي بالرسمي
فرج عبدالسلام
ربما تفاجأ بعضنا نوعا ما، من حجم العنف الأهوج الكامن فينا نحن الليبيين.. والذي أفصح عن طبيعته مع انطلاق انتفاضة فبراير. فكان أول ما لفت أنظارنا عملياتُ القتل الوحشية لبعض أفراد الجيش في منطقة الجبل الأخضر، لينتقل العنف سريعا إلى مصراتة والزاوية وغيرها من أرجاء الوطن. وبعد انتشار واستفحال إشاعة استعانة النظام بمرتزقة أجانب، صار لون البشرة مهلكة ، حيث يذكُر البنغازيون بالذات حادثة ذلك المسكين الذي جرّه قدَره البائس إلى مصيره المحتوم، مُقطّعا إربا في باحة محكمة شمال بنغازي، ولم تنفع توسلاتُ تعيس الحظ في إقناع الذين تملكهم السّعار، بأنه واحدٌ منهم رُغم سواد وجهه.
تناهت إلى مسامعنا أيضا أخبارٌ عن حالات عن حالات ذبح وتنكيل قام بها طرفا الصراع (نحن، وهم) في حرب الإخوة. من جانب الثائرين برّر البعض الوحشية التي تعاملوا بها مع الطرف المقابل، بأنها نتاج طبيعي لأعمال القمع التي لا تحصى ولا تعد من قبل سلطات النظام السابق ضد المواطنين، واستبداد السلطة الأمنية إلى جانب تغوّل أجهزة وتنظيمات، ترى نفسها حامية للنظام مقابل غالبية الليبيين.. ولعل مذبحة سجن “أبوسليم” خير دليل على العنف الفظيع الذي استخدمه نظام القذافي كسبيل للنيل ممن يراهم خصوما أو مناوئين له. وتزخرُ ذاكرة المجايلين لتلك الحقبة المؤلمة باقتراف الدولة لأعمال تناقض أبسط المبادئ الإنسانية، وكلها بالمناسبة اقترفها ليبيون أقحاح ضد بني جلدتهم، ما يجعل المرء يتساءل بمرارة عن صحة انتمائه لهؤلاء وعمّ إذا كانت المواطنة تجمعه معهم.
مناسبة هذا السرد المؤلم هي مقتلة “تمنهنت” في ابراك الشاطئ، وكيف أنّ العشرات، وأغلبهم أنفسٌ بريئة غضة، فقدوا أرواحهم بطريقة وحشية تعبّر بحق عن الحالة المتقدمة التي وصل إليها السُّعار الليبي.. ليس هناك أحد مُستثنىً من حالة الخبل التي وجدنا أنفسنا فيها، فمشاهدُ القتل بدم بارد خارج دائرة القانون صارت سائدة، يحرص أبطالها، منعا للالتباس، على توثيقها صوتا وصورة. بل إنّ بعضها يتم خلاله الاستدلالُ بغطاء ديني يأمر فيه ربّ السماوات هؤلاء من عبادة بقتل عباده الآخرين تقرّبا إليه. لقد استفحلت ثقافة إراقة الدماء التي كما نعرف لن تولّد إلا المزيد من سفك الدماء في هذا البلد المنكوب الذي يعاني من آثار حقبة دموية دامت لأربعة عقود فأتت على قيم الخير والإنسانية فيه. وهي بلا شك وريثة أصلية لثقافة مثقوبة وبائسة من قرون عديدة، التي تجعل المختلفين عنا أعداءً لنا، فنسير وراء وهَمِ قتلهم تقرّبا للذات العلية. إن ما يجري الآن مأساة بحق، ستظل تطارد أجيالا عديدة من بعدنا، ولا يبدو أن أيا من متصدري المشهد والمتصارعين على السلطة والنفوذ يدركون خطورة هذا السُّعار الليبي الذي يظهر علينا في أسوأ تجلياته…