“رأيت كل شيء بعيني”.. سلامة يفتح لـ218 صندوق ليبيا الأسود
خاص 218
واصل المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، الدكتور غسان سلامة، كشف الحقائق في حوار خاص مع 218news روى فيه تفاصيل تُحكى لأول مرة عن فترة عمله كرئيس للبعثة، واستمراره في دعم البعثة كمستشار بعد استقالته لأسباب صحية.
وقال غسان سلامة إنه بعد أشهر من الحرب في طرابلس، وانقلاب القوى وخروج قوات المشير خليفة حفتر من غرب ليبيا، تدخل الأميركيون كي لا تتحول حرب ليبيا إلى صراع تركي مصري، وبدأ تدريجيا ظهور خط سرت الجفرة، وعلم سلامة حينها أن هناك من يريد تحويل وقف النار إلى تفاهم قانوني.
وأضاف: “رفضت تحويل وقف إطلاق النار إلى تفاهم قانوني، وأيدني في ذلك العسكريون من الطرفين، وتدخلت أميركا بصورة أساسية، وصار وقف إطلاق النار على خط سرت الجفرة عمليا”.
يقظة العسكريين.. بارقة الأمل
وكشف أن العسكريين من الطرفين أبدوا امتعاضهم من دور المرتزقة، وإمكانية تحول وقف النار من واقعي إلى قانوني يتم من خلاله تقسيم البلاد، كما أبدوا استعدادهم للاجتماع شريطة أن تدعوهم البعثة، وعند وصولهم إلى جنيف ذهبوا لتناول العشاء سويا.
وشدد سلامة على أنه لو لم تتفق اللجنة العسكرية على وقف النار، وتنفيذ مقررات برلين ووقف التدخل الخارجي؛ لما حصل حوار تونس، مضيفاً أنه لم يراهن إلا على وطنية الليبيين ولم يكن ليحصل أي تقدم في المسارين السياسي والاقتصادي لولا الاتفاق بين العسكريين، في وقت كانت معظم الدول تراهن على فشل الحوار السياسي.
وتابع: “كورونا لعبت دورا إيجابيا لأن كثيرا من الاجتماعات عقدت افتراضيا ولعبت دورا سلبيا لأن التونسيين كانوا متخوفين من عدم مراقبة الوضع الوبائي في ليبيا. والسبب وراء اختيار عدد أعضاء لجنة الحوار هو وباء كورونا كون نقلهم أسهل بكثير لو كان عددهم 150”.
وعن سبب تفاؤله بنجاح الحوار، قال سلامة إنه تفاءل لأنه علم أن الدول التي يمكن أن تعرقل الاتفاق وافقت على النتيجة، مُبيناً أنه تواصل مع ستيفاني بعد نجاح الاتفاق العسكري وأخبرها أنه من الممكن البدء في الاتفاق السياسي، حيث كانت هناك شبكة أمان في برلين، وأصبح كل شيء جاهزا، وتم البدء في المسارات الثلاث قبل اشتداد القتال.
ورأى أن المسار المالي حينها كان غاية في الأهمية، وللمرة الأولى اجتمع المصرفان المركزيان واتفقا على سعر صرف واحد وميزانية موحدة.
وفي صيف 2020 عرف العسكريون وبقية العقلاء أن الدول الكبرى لن تسمح لحفتر بالدخول إلى طرابلس، ولن تسمح لقوى الغرب باختراق خط سرت شرقا، بحسب وصف سلامة.
التقسيم أو حلول برلين
ويقول المبعوث الأممي السابق إن الليبيين فهموا أمرين إما أن يعرضوا بلادهم للتقسيم، أو أن يذهبوا للحل الجاهز منذ برلين، واختاروا الحل الثاني وهذا يعود لوطنيتهم ووعيهم.
وتابع: “السراج اتصل بي وبستيفاني وقال إنه يريد مغادرة منصبه، وعدد كبير من الليبيين قالوا لي إنها مناورة. أعتقد أن السراج كان صادقا؛ لأني تعرفت عليه خلال الثلاث السنوات التي أمضيتها في ليبيا، وكنت قريبا منه”.
وشجّع استعداد السراج المعترف به دوليا لمغادرة منصبه، البعثة على الذهاب في عملية لقاء تونس، وأوضح سلامة أن “هناك قضايا لم تحسم في خريطة الطريق وقضايا حسمت، وأقول لمن ينتقد أن يأتي بالبديل وبما يتفق عليه الليبيون”.
ويرى غسان سلامة أن خارطة الطريق كانت صلبة وأنتجت حتى الساعة وحدة الحكومتين والمصرف المركزي، وقيام سلطة جديدة.
وحول الانتخابات، أكد غسان سلامة أن أهمية الانتخابات الرئاسية التي لم تشهد ليبيا مثيلا لها تكمن في نوعية النظام السياسي الذي تم اختياره.
أجسام تخاف التغيير
يقول غسان سلامة: “عندما ذهبت إلى ليبيا في 2017 كان كل طرف يتولى موقعه يخاف من التغيير ويريد ألا يحصل، أو إذا حصل أن يكون في مصلحته. رئيس مجلس النواب أراد أن يكون رئيسا للمجلس الرئاسي ولن يسمح بأي تغيير إذا لم يكن رئيسا له، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لديه طموحات سياسية، وأراد التأكد بأن أي تغيير لن يضر بهذه الطموحات”.
وأضاف: “رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي أصروا على البقاء في أماكنهم والسراج كان يخاف من أي تغيير وحاول التفاهم مع حفتر كي يمنع هذا التغيير. وهناك حزب سميته حزب الأمر الواقع يسعى إلى السلطة ويختلف ظاهريا ولكن في جوهره يتفق على عدم التغيير”.
وأكد سلامة أن الآلاف من الليبيين الذين التقاهم كانوا لا يريدون لهذه الأطراف أن تبقى في المشهد السياسي، مشيراً إلى أنه جرب آلية التغيير من خلال مجلسي النواب والدولة في 2017 وتمت عرقلته لأن مجلس الدولة أصر على الأمر الواقع، ووفد النواب تفجر أمامه.
وبعدها؛ أدرك المبعوث الأممي أنه لن يصل إلى نتيجة إلا من خلال الملتقى الوطني الذي دعا إليه منذ اليوم الأول غير أن الهجوم على طرابلس وكورونا لم يسمحا بذلك.
تخطي عقبة المجلسين
وفي أواخر 2020 تمكنت البعثة من جمع ممثلين عن مجلسي النواب والدولة وخرجت من أسر المجلسين، وأعطيت الليبيين صوتا يتحدث من خلالهم، وفقاً لسلامة، الذي أضاف أن أهم قرار اتخذه حوار تونس تمثل في تحديد موعد الانتخابات في الذكرى الـ70 لإنشاء دولة ليبيا.
وبحسب المبعوث الأممي السابق، تمتلك ليبيا فرصة كبيرة للتحول الديمقراطي، مشدداً على وجوب التأكيد على مضمون الديمقراطية المتمثل في الحريات وليس شعارها، فما حدث في أميركا علمنا أن الديمقراطيات يمكن أن تتأثر بالحركات الشعبوية، ويمكن أن يظهر رئيس ويقول أنا باق على غرار ما فعله ترامب.
وتابع حديثه قائلاً: “الديمقراطية تعد هدفا وليست مكسبا لكي يقول الشخص أنا ديمقراطي. عدد الدول التي تعيش في نظام ديمقراطي تراجع في العشر سنوات الأخيرة بعد أن زاد عددها في تسعينيات القرن الماضي؛ ما جعل الديمقراطية حاليا في حالة دفاع عن النفس ليس في دول الهامش فقط، ولكن حتى في الدول المتقدمة”.
وكانت الصفحة الأولى من خارطة الطريق التي كان سيعرضها سلامة في غدامس، تحمل ميثاق شرف باحترام التداول السلمي على السلطة، وبعدها، يقول سلامة إنه وجد في تونس من يضمن الاتفاق على التداول السلمي على السلطة وهو ما لم يجد من يضمنه في ليبيا.
وأكد غسان سلامة أن البعثة لا تطلع على تقارير خبراء الأمم المتحدة التي تقدم إلى مجلس الأمن كل ثلاثة أشهر، وأنه لا يوجد أي اسم ورد في تقرير لجنة الخبراء حول الرشاوى المقدمة في الحوار السياسي.
وحول هذه القضية، كشف المبعوث السابق أن هناك أشخاص عددهم قليل اتصلوا باللجنة بعد نتيجة انتخابات “جنيف” التي قد تكون مغايرة لما يريدون وهذا ما يضعف حجتهم، مؤكداً أنه لا يعلم إذا كان هناك فساد في الحوار السياسي وأن ستيفاني ليس لديها أي حجة حول ذلك.
رأيت بعيني
وكشف غسان سلامة عن حجم الفساد الذي واكبه في ليبيا، والذي وصفه مراراً بـ”النهب الممنهج”، مؤكداً أن ضميره ارتاح أكثر عندما قال إن ما يحدث ليس فسادا وإنما نهب، وإن فائز السراج بكى ثلاث مرات أو أربع عندما تحدث له عن الوضع وربما يكون بكاؤه ناتجا عن عجزه.
وقال: “رأيت بعيني قافلة البنزين يتم تهريبها لتونس ورسائل الاعتماد الصادرة عن المصرف المركزي، ورأيت مدى الهدر ورأيت مئات من الليبيين غير المرضى في إسطنبول وتونس تصرف عليهم وزارة الصحة، ورأيت بعيني مستشفيات خارج ليبيا وهي تضخم الأرقام لتحصل على المزيد من أموال الليبيين”.
وأشار المبعوث الأممي السابق إلى أن عدداً من الدول تواصلت معه فور وصوله إلى ليبيا تطالب بأموال علاج الليبيين فيها، مضيفاً أن ليبيا تنتج نفطا وغازا أكثر من الكويت وشعبها يعيش حياة الفقر.
تركيا “تفرعنت”.. وإسرائيل أخطر
تركيا تعلمت في الفترة الأخيرة من النموذجين الروسي والإيراني، وكانت على صلة بالإخوان المسلمين وحاولت القيام بما يفعله الروس والإيرانيون، بحسب ما رواه سلامة.
وقال المبعوث الأممي السابق أن إيران “تفرعنت” على العرب ولم يوقفها أحد، وتركيا تفرعنت على العرب ولم يوقفها أحد، وإسرائيل لم تنفك عن الفرعنة ولم يوقفها أحد، مؤكداً أن إسرائيل باتت أخطر من إيران وتركيا كونها لها رغبة استيطانية وضم أراض بخلاف الإيرانيين والأتراك الذين بدؤوا في التدخل.
وأكد سلامة تمسكه بالفكرة العربية لأنها تعد أجمل فكرة حديثة أطلقها العرب في القرن التاسع عشر، أما إذا بقي العرب على هذا الخمول والخلاف “الصبياني” لن يبقى لهم شيء.
وأضاف: “أنا من دعاة الانفتاح مع إسرائيل ومع الأرض مقابل السلام ووقف الاستيطان كشرط مبدئي. ما يحدث في فلسطين هو قضم يومي للأراضي، واستيطان يزيد يوما بعد يوم”.
كتاب عن تجربة ليبيا
وفي ختام الحوار، قال سلامة إن ليبيا أصبحت بلده الثاني، وسيُتابع شؤونها يوميا ليرى كيف ستتقدم نحو مزيد من الاستقرار، وكشف لـ218 أنه سيكتب كتابا مع ستيفاني وليامز عن تجربتهما معا في ليبيا، ومن المتوقع صدوره في الصيف.
ولفت إلى أنه اختار معالجة صحته وانتهت خطته بالنسبة لليبيا يوم جاء يان كوبيش إليها، مؤكداً أنه سيُقدّم له المشورة في حال طلبها منه، مُذكّرا بأن إرجاع البعثة إلى ليبيا بعد أن كانت في تونس من الإنجازات التي يفتخر بها.