غسان سلامة في حوار نادر على 218.. أسرار ليبية تُروى للمرة الأولى
خاص| 218
انفردت 218NEWS بحوار نادر مع الدكتور غسان سلامة، المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، كشف فيه تفاصيل تُروى لأول مرة عن فترة عمله على رأس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.
وفي مطلع حديثه، أكد سلامة أنه قرر الاستقالة من مصبه في الـ2 من مارس 2020 لأسباب صحية، وأن الأمين العام طلب منه تجميد نشاطه بسبب حالته الصحية، إلا أنه فضّل الاستقالة لحاجته لإجراء عمليات جراحية مستعجلة، والعمل كمستشار لفريق البعثة طيلة عملها، مؤكدا أن استقالته لم تكن سياسية، فيما طُلِب من نائب رئيس البعثة الذي كان عسكرياً إيطالياً، الاستقالة، لعدم وجود نشاط عسكري في البعثة وتعذّر توكيل المهمة إليه.
وبعد ذلك تقدمت عديد الأسماء لمنصب نائب رئيس البعثة، ووقع الاختيار على ستيفاني وليامز عندما كانت قائمة بأعمال السفارة الامريكية في ليبيا، وأضاف سلامة أنه اختارها لشغل منصب نائبة الشؤون السياسية بسبب سيرتها الذاتية وإجادتها للغة العربية ولرغبتها بالاستقالة من منصبها السابق.
ستيفاني وليامز.. ذاكرة البعثة
وصف المبعوث الأممي السابق ستيفاني وليامز بـ”ذاكرة ما تقوم به البعثة في ليبيا”، مؤكداً أنه كان مُصراً على حضورها كافة الاجتماعات المعلنة وغير المعلنة حول ليبيا، لتكون على دراية بكل ما يحدث.
ويقول سلامة إنه كان على تواصل تام ومستمر بشكل يومي معها ومع كامل فريق البعثة في ليبيا حتى بعد تقديم الاستقالة ومغادرة البعثة، مؤكداً أن وليامز كانت مؤهلة للعمل على الملف الليبي لتمكنها من اللغة العربية ومعرفتها بالليبيين، ما دفعه لإشراكها في كل شيء أثناء وجوده في قيادة البعثة الأممية.
ورأى الدكتور غسان سلامة أن اختياره وليامز كان أحد القرارات الناجحة التي اتخذها تلك الفترة، لأنه عندما أصيب صحياً كان هنالك من يستطيع أن يستمر في تنفيذ الخطة الموضوعة.
دور ما بعد الاستقالة
كشف سلامة أن عدداً من المشاركين في حوار تونس حضروا بدعوة شخصية مباشرة منه، وأن وليامز كانت تطلب منه التواصل مع عدد منهم، مؤكداً أن عدداً من المرشحين للمجلس الرئاسي والحكومة تقدموا للترشح رسمياً بطلب مباشر منه وأحدهم فاز بأصوات فريق الحوار.
وأضاف: “هنالك تناغم متكامل بيني وبين ستيفاني وليامز لأن الاتفاق كان على خطة العمل التي وضعت في برلين. وليامز كانت حاضرة للاجتماعات التمهيدية التسعة التي سبقت اجتماع برلين ووضعت بجانبي صيغة البنود الـ55 للاتفاق”.
وتابع حديثه قائلاً: “وليامز كانت جزءاً من العملية ولم أكن لأثق بغيرها، والأطراف الأساسية في ليبيا تعلم من وضع الخطة الأساسية للحل في ليبيا. وليامز أبلغتني بكل تفاصيل الاجتماعات التي تمت من أجل ليبيا بما فيها اجتماعات اللجنة العسكرية ولجنة الحوار”.
الملتقى .. وإشارة محمود جبريل
لفت سلامة إلى أن ما كان يجب أن يتم خلال عام أو عامين في ليبيا احتاج إلى 3 سنوات لتنفيذه، بسبب عناده ضد المؤسسات الليبية التي ترفض الحلول وكذلك ضد عدد من الدول التي تريد إبقاء الوضع على حاله.
وأشار إلى أنه تحدث عن الملتقى الوطني الجامع منذ العام 2017 في جلسة طويلة بحضور رؤساء الدول الكبرى، وبعد اقتراحه رسمياً لعقد الملتقى الوطني في ليبيا تلقى اتصالا من الراحل الدكتور محمود جبريل وقال له إن “هذا ما يريده الليبيون”.
وحول الجهات الداخلية التي كانت ضد تلك الفكرة، كشف المبعوث الأممي السابق أن كلّاً من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والرئاسي إضافة إلى أطراف خارجية كثيرة، جميعهم رفضوا فكرة الملتقى الوطني الذي كاد أن ينعقد، ووصلت التحضيرات إلى حد تسليم كافة التجهيزات الخاصة بعقده إلى عميد بلدية غدامس ولكن الحرب التي اندلعت قبل عشرة أيام من موعد الملتقى عرقلت الجهود.
مؤشرات معركة طرابلس
كشف سلامة أنه كانت لديهم عدة مؤشرات لقيام الحرب في ليبيا منها تصريحات الجيش والتحركات العسكرية في سبها ومرزق وغيرها، مضيفاً أن ردة الفعل في طرابلس من تحركات الجيش في يناير 2019 كانت غير سلبية.
وأضاف: “كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على علم بمؤشرات قيام الحرب، واتصل برئيسي دولتين على صلة بالمشير خليفة حفتر وكلاهما أكدا لغوتيرش أنه لن يحدث شيء وهو في ليبيا”.
وقال: “الأمين العام كان مطمئناً بعدم اندلاع الحرب وقلت له إن ذلك على مسؤوليته”.
4 أبريل والضوء البرتقالي
وحول حقيقة حصول القيادة العامة للجيش الوطني على ضوء أميركي للتوجه إلى طرابلس، قال سلامة إن الأمن العام عقد اجتماعاً مطولاً مع المشير خليفة حفتر في بنغازي علموا من خلاله عن حصول القيادة العامة للجيش على ضوء برتقالي من الولايات المتحدة لدخول طرابلس.
وكشف أن حفتر ومستشاره أكدا تواصل القيادة هاتفياً مع مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، أعرب فيه الجانب الأمريكي عن عدم معارضته إعلان الحرب في طرابلس، مضيفاً: “وقالوا لهم إن كنتم تريدون حرباً فعليكم القيام بذلك بسرعة”.
وأشار سلامة إلى أن “أمريكا لم تُحرض على قيام الحرب في طرابلس، لكنها كانت على علم بها قبل الإعلان عنها ولم تعارضها”، مؤكداً أن الأمم المتحدة ليس لديها جهاز استخبارات، ولا تعلم إلا ما تخبرها به الدول نفسها.
وتواصل سلامة تلك الفترة مع عسكرييَن من غرب ليبيا، وأكدا له بشكل شخصي أن الهجوم على طرابلس قد بدأ من جنوب البلاد، ليتم بعدها تغيير برنامج زيارة الأمين العام إلى طرابلس وبإلغاء عدد من الاجتماعات. الأمين العام أثناء زيارته لطرابلس اقتنع أن الحرب ستندلع وأخبرني أنه سيُبلغ المشير حفتر بذلك.
مجددا مجلس الأمن “عقيم”
توصل سلامة قبل مؤتمر برلين لنتيجة أنّ التدخل الخارجي يزداد والتنقل بين طرابلس والرجمة لن يُجدي نفعاً، ورأى أن القرار في ليبيا كان بيد العسكريين وليس السياسيين في وقت يشاهد فيه العالم طرابلس وهي مُطوقة عسكرياً، ولذلك لم تجد البعثة الأممية تفاهماً ممكناً بين الليبيين.
وبناء على ذلك، تم تغيير الاستراتيجية في برلين بالتعامل مع الحرب والتدخل الخارجي وإيجاد مظلة دولية ضرورية مسبقة لليبيين لكي يتفقوا، فيما قدّم سلامة وقتها تقريراً لمجلس الأمن أعلن فيه عن عجزه لوضع حل لليبيا في ظل مجلس أمن عقيم ومنقسم، وأكثر من نصف أعضائه يؤيد الحرب في ليبيا، حسب وصفه.
وعن حجم الانقسام والتصدع الحاصل بمجلس الأمن، قال سلامة: “المجلس أعطاني أمراً بالتعامل مع الوفاق دون غيرها في وقت يتعامل فيه نصف أعضائه مع الطرف الذي يهاجم حكومة الوفاق”.
رِهان جنوني
وصف المبعوث الأممي السابق أنّ السعي لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا في تلك الفترة كان رهاناً شبه جنوني، مضيفاً أن الرهان كان بإقناع طرف دوليّ بالقيام بذلك، خاصة أنه لم يجد صدى لذلك في مجلس الأمن وتواصلت معه دولتان فقط هما ألمانيا والسويد اللتان كانتا خارج مجلس الأمن.
وفي إطار التحضيرات لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا، قال سلامة إنه تلقى اتصالاً من المستشار الخاص لأنجيلا ميركل وحدد له موعداً مع المستشارة في برلين، وعما جرى حينها، قال: “جلست مع ميركل في مكتبها على انفراد لساعتين ونصف للحديث عن مؤتمر دولي حول ليبيا. كانت فكرتي أن يكون المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية، والمستشارة ميركل بادرت بفكرة دعوة رؤساء الدول في قمة حول ليبيا”.
وتابع: “ميركل اشترطت تحديد عدد الدول المدعوة لمؤتمر برلين حول ليبيا ولا تريد جمعية جديدة للأمم المتحدة في بلادها، وتم الاتفاق على استضافة رؤساء عشر دول وتمثيل لدول أخرى، إضافة للاتحادين الأفريقي والأوروبي والجامعة العربية”.
وروى سلامة أنه تم عقد 9 اجتماعات تحضيرية لمؤتمر برلين في الفترة ما بين 15 أغسطس 2019 حتى 19 يناير 2020، وحاولت عدد من المنظمات والدول، منذ اليوم الأول، إيجاد تفاهم دولي حقيقي حول ليبيا، فيما بقيت دول أخرى على تحفظها حتى يوم انعقاد القمة.
الاستثناء الليبي
وكشف أن الأمين العام كان متحفظاً حتى يوم القمة ولم يعتقد أن رؤساء دول بينهم قطيعة لسنوات عدة أن يجتمعوا من أجل ليبيا، مؤكداً أنه راهن على الاستثناء الليبي لجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي على طاولة واحدة بعد 6 سنوات من عدم الالتقاء.
ولفت سلامة إلى أن ميركل لعبت دوراً اساسياً رفقة البعثة الأممية للدعم في ليبيا لنجاح القمة الخاصة بليبيا في برلين، وتم الاتفاق معها مسبقاً على أن دور ألمانيا فقط استضافة القمة فيما يضع فريق البعثة الأممية إلى ليبيا مضمون الاجتماع.
نجاة مؤتمر برلين من “الخطف”
ويقول المبعوث الأممي السابق، إنه وبعد عمل دؤوب لأشهر قامت كلّ من تركيا وروسيا في الأسبوع الأخير بمحاولة خطف مسار برلين وإجهاض القمة، حيث تم الاتفاق بين موسكو وأنقرة على دعوة حفتر والسراج إلى موسكو ومحاولة فرض تفاهم عليهما يُجهض مؤتمر برلين، مشيراً إلى أن قمة برلين كانت اجتماعاً دولياً حول ليبيا وليس اجتماعاً بين الليبيين بتحييد الصراع الدولي في الملف وعدم التدخل في ليبيا.
وبعد توقفه في تركيا، توجه السراج إلى موسكو وقام بالتوقيع على التفاهم الروسي التركي، في حين أن حفتر بعد وصوله رفض التوقيع، وبعدها وضع بوتين شرطا لحضوره قمة برلين لحفظ ماء وجهه بأن يكون السراج وحفتر حاضرين في القمة وهذا شرط لم يناسب البعثة، حسب ما أكده سلامة.
لكن المستشارة الألمانية قبلت بشرط الرئيس الروسي وقامت بدعوة حفتر والسراج، ولكنهما بقيا في الفندق ولم يحضرا الاجتماع.
ويرى سلامة أن ليبيا بعد 2011 تشظت الى أكثر من معسكر كأن قنبلة نووية ضربت شعبها وليس خلافاً بين معسكرين، وكان عليهم لملمة هذه الشظايا، وعلى الرغم من أن كل أطراف الأزمة الليبية المتعددين كان لهم من يُمثلهم في الحوار السياسي في تونس وجنيف ولكن إلزام الدولة الخارجية بقبول ودعم اتفاق الليبيين كان أمراً مهماً.
وقال سلامة إن أهمية مؤتمر برلين لم تبدوا واضحة لليبيين الذين توقعوه اجتماعاً عابراً كما جرى في باريس وباليرمو، وبعد نجاح المؤتمر، كشف المبعوث الأممي السابق أنه تلقى انتقادات من عدة دول لعدم استضافة القمة لديها، في حين أن برلين هي من اختارت عقد المؤتمر ولم تقم البعثة باختيارها.
وأضاف: “استضافة ميركل للقمة يعود لرغبتها في إنجاز شيء يعود بالنفع على بلادها، ولم تكن تخطط لنصر شخصي لها لأنها قد أعلنت نيتها ترك السلطة”.
وحول دعوة أعضاء مجلس الأمن الدائمين لقمة برلين، قال سلامة إنه كان قراراً مدروساً لضمان إصدار قرار أممي يؤيد مخرجات المؤتمر.
وصارح “سلامة” الليبيين بمفتاح الحل السياسي في بلادهم، إذ أكد أن لجنة 5+5 العسكرية هي ذلك المفتاح رغم أن الليبيين لم يُعيروها أهمية في البداية، وفي أواخر صيف 2020 حدث وعي لدى اللجنة العسكرية سبق الوعي لدى السياسيين، مخافة تقسيم ليبيا وسيطرة المرتزقة على البلاد.