ساسة ليبيا بعد الامتحانات: “لم ينجح أحد”
أثار قرار وزير التعليم في حكومة الوفاق حول اختبار كفاءات المعلمين والمعلمات جدلاً واسعًا في ليبيا، بين مُرحب ومعارض، إلا أن الأمر لم يتوقف عن ذلك ، حيث طالب الكثير من المعلمين بإلغاء القراركونه يؤدي إلى تزعز الثقة بين الطالب والمعلم.
و تزامن هذا القرار الغريب مع مع ازدياد وتيرة الأحداث الدموية التي تشهدها بعض المناطق الليبية بين فترة وأخرى ، لعل أخرها حتى الأن ما شهدته أحياء جنوب طرابلس من صراعات مسلحة سبتمبر الماضي وحرب دارت رحاها بين مجموعات مسلحة تسعى الى فرض سيطرتها على العاصمة.
هذه الصراعات مختلفة الاسباب والدوافع ، والتي لم تنتهي منذ أكثر من أربع سنوات لم تعطي فرصة الاستقرار والهدوء الذي يمنح مناخاص مناسباً للتطوير القطاع العام وعلى رأسه التعليم ، وهو ما يظهر بوضوح في تخبط وزارة التعليم بين استسهال اصدار القرارت غير المدروسة والتخبط في وضع آليات لتنفيذها .
هذا التخبط الذي لم يخفى على أحد من أفراد الشعب ، سواء من يعنيهم الأمر بشكل مباشر أو لا لم يكن إلا نموذج لتخبط كل قطاعات الدولة بمختلف مسمياتها بداية من الهرم نزولاً الى القاعدة ، ما أوصل الليبيين إلى تكوين قناعة تامة لم يعد هناك جوى من محاولة تبديدها أو التشكيك فيها ، قناعة جعلت من كل السياسيين والقادة وصناع القرار في خانة واحدة في كشف نتائج أمتحاناتهم العملية على أرض الواقع ، حيث لا وجود الا لعبارة واحدة تختصر الواقع ، وتلخص الحال في ثلاث كلمات يمكن نطقها بكل بساطة الا أن الصعوبة في قراءتها بتأني ، لما تحمله هذه القراءة من حقائق بائسة ، ونتائج صادمة ، وكشوفات ضخمة تحمل في طياتها خيبة كبيرة وأزمة طويلة ، وخذلان لا ضفاف له.
” لم ينجح أحد ” جملة كشفت لليبيين مدى فشل أصحاب القرار في كل الامتحانات التي مروا بها في السابق ولعل أهمها وأبرزها أمتحان التهدئة وإعادة الأمن والإستقرار إلى كل مناطق ليبيا التي تشهد توتراً او صراع ، بل أنهم فشلوا حتى في ما طرحوه من خطط للترتيبات الأمنية والإصلاحات الإقتصادية ، ولم يجدوا سبيلاً لتنفيذها في أوقات السلم فما بالك في أوقات ذروة النزاع والصراع المسلح.
قد يصف بعض المتفائلين من اعتادوا الخلاف في الرأي هذا الطرح ويصفونه بالتجني واطلاق الاحكام جزافاً ، وهنا يلزم التنازل والتعاطي مع وجهات النظر المعارضة والمخالفة ، الا ان هذا التنازل يتطلب اجابة من قبل الطرف الأخر على سؤال بسيط لنكمل بقية النقاش .. قد يكون هناك اعذار لفشل الساسة في القضايا العالقة والشائكة ذات الصبغة العسكرية ، وفي الاشكاليات الاقتصادية التي تآثرت بهذا الصراع بشكل أو بأخر ، الا ان السؤال المطروح هنا ، ماذا عن أبسط الأمور الخدمية والتي ظهر الفشل فيها ذريعاً لا يقبل أية أعذار أو تسمح بالتماسها لأي من هؤلاء الساسة ، فطرابلس وضواحيها ومناطق اخرى اغرقتها السيول وشلت حركتها بعد يوم واحد ممطر !!!
هل الاستعداد لفصل الشتاء وموسم الامطار يحتاج الى تدخل البعثة الأممية في ليبيا أو استصدار قرار أممي يفسح المجال لعمداء البلديات وغيرهم من المسؤولين للقيام بابسط مسؤولياتهم وأقلها عناء وتكلفة ؟ وهل عجزت ميزانية البلديات حتى عن توفير معدات التدخل السريع الكفيلة بفتح الطرق وانقاذ المواطن من جرف السيول ؟ رغم أن تجربة آليمة مشابهة مرت بها البلاد العام الماضي ولا يحتاج الأمر للتذكير فلا زالت طريق عين زارة وادي الربيع تحمل آثار فيضان وادي الربيع الشتاء الماضي ، وان كانت هذه اللآثار قد زالت بفعل الأيام فأنها باقية على جدران بعض المنازل ، كما أن جرحها لم يندمل في نفوس من تعرضوا للضرر ، ولكن للأسف ما سبب في نسيانها لا هذا ولا ذاك ، بل لأن السيول والفيضانات لم تجد طريقا للقصور الفخمة المحصنة ، تلك التي أسس بنيانها على أعمدة شاهقة ابعدتها عن سطح الأرض حيث المواطن البسيط يصارع الفيضانات ، الا أنه قد يكون في مأمكن من الصواعق التي قد تضرب القباب والمبان الشاهقة .
لم ينجح أحد اطلاقاً .. ولن ينجح أحد من الساسة ومتصدري المشهد الا بالكثير الكثير من العمل والمثابرة في ميدان العمل والعطاء لا في فنادق الخمس نجوم خارج نطاق ” بلد الدراسة ” .
لإن اصعب امتحان قد يقوم به السياسي الليبي أن يعيش بعض ساعات التعليم العملي ، وأن اتعس هذه الساعات تكمن في نزول اول قطرات عرق على وجهه نعم الملمس وهو يقف في أحد طوابير المصارف ، أو وسط حشد ينتظر ان يستوي الخبز في فرن خباز فاسد يسرق وزن الرغيف ويرفع سعره ليسهم في قتل المواطن تدريجياً ليعيش بدوره شعور السياسي والقائد المنظر .
هل يقبل السياسي التحدي في أن يعيش يوماً واحداً في الأسبوع مواطناً ليبياً حقيقياً ؟
لا أظن ذلك ، فماذا تظنون .. أنتم ، أيها الشعب الليبي العظيم.