سارة التي صفقت لها ويمبلدون
خالد منتصر
دموع مكتشفة لقاح أسترازينيكا «سارة جيلبرت» التى انهمرت فى استاد ويمبلدون وهى تجلس على المقعد المحجوز لملكة بريطانيا، هى بمثابة جائزة نوبل التى منحها جمهور أرقى لعبة فى العالم لعالمة نذرت حياتها للعلم، وقوف الجمهور احتراماً والتصفيق الذى استمر لمدة خمس دقائق تقريباً لم يتلق نصفه نجوم اللعبة أنفسهم، هذا التكريم يعرفك أن سر تقدم الدول هو احترامها للعلم الحقيقى، سارة جيلبرت، البالغة من العمر ٥٩ عاماً، تقول عنها إحدى المجلات الإنجليزية التى حاورتها إن لديها سلوكاً فائق الكفاءة لا بد أن تتوقّعه من شخص على وشك تحقيق اختراق، وليس لديها دقيقة تضيّعها، عندما اتصل بها المحرر لأول مرة فى أوائل مارس، أنهت المحادثة فجأة بعد 10 دقائق للتحدّث إلى شخص ما حول العملية التقنية لتصنيع اللقاح! جيلبرت تستيقظ فى الرابعة صباحاً معظم الأيام، تقول أنا أستيقظ «على الكثير من الأسئلة فى رأسى»، تعمل من المنزل لبضع ساعات، ثم تركب دراجتها إلى المعهد، حيث تعمل فى المساء، ويضم فريق أكسفورد، الذى لم يكن يضم سوى عدد قليل من الأشخاص فى يناير٢٠٢٠، الآن عدده 250 باحثاً تقودهم جيلبرت.
فى عام 1994 حصلت جيلبرت على منصب رفيع فى أكسفورد، وبعد أربع سنوات من العمل هناك، دخلت إلى عالم الأمومة بثلاثة توائم، وقتها قالت: «لأن لدىّ ثلاثة توائم، فإن رسوم الحضانة كانت ستكلف أكثر من دخلى وراتبى بالكامل بعد الدكتوراه، لذلك كان على زوجى أن يضحى بحياته المهنية من أجل رعاية أطفالنا»، فى أبريل ٢٠٢٠، قرر التوائم الثلاثة ورغم أن سنهم صغيرة، 21 عاماً، وجميعهم يدرسون الكيمياء الحيوية، إلا أنهم قرروا المشاركة فى تجربة اللقاح التجريبى ضد Covid-19!! وكأنها تعيد نفس التجربة عندما خاطر جينر، الذى يحمل المعهد الذى تعمل فيه سارة اسمه وصاحب أول فاكسين فى العالم ضد الجدرى، عندما جرب اللقاح على أحد أقاربه وأحبابه! قالت سارة جيلبرت: «لم نناقش الأمر حقاً كعائلة، لأننى لم أكن فى المنزل كثيراً فى ذلك الوقت»، لقد كانت تعمل بجهد خارق ٢٠ ساعة فى اليوم، لم تكن تقلق على أبنائها من هذا القرار.
اجتازت جيلبرت امتحاناتها فى مدرسة Kettering الثانوية وكانت تعزف بمهارة على آلة من آلات النفخ لأوركسترا المدرسة، انتقلت بعدها إلى جامعة إيست أنجليا لإكمال درجة البكالوريوس، وبعد ذلك حصلت على دكتوراه من جامعة هال، وبرغم تفوقها رفضت العمل الأكاديمى، وبدلاً من ذلك اختارت العمل فى Leicester Biocentre، فى العامين الأولين من حياتها المهنية، ثم انتقلت إلى شركة التكنولوجيا الحيوية، «دلتا» حيث نالت خبرة فى تصنيع الأدوية، يصفها زملاؤها فى المدرسة بأنها فتاة «هادئة»، و«مجتهدة»، و«ذكية»، كانت دائماً ودودة ومهذبة، على مدى السنوات العشر الماضية، كرست حياتها لتصنيع واختبار اللقاحات التى تم تصنيعها للحث على استجابات الخلايا التائية للمناعة، وذلك باستخدام المستضدات من الملاريا والإنفلونزا، وقد اجتازت العديد من هذه اللقاحات التى قامت بها التجارب السريرية، ومع ذلك، لم يكن هذا سقف حلمها، عندما عادت إلى الأوساط الأكاديمية فى البداية، وفقاً لتقرير نشر فى The Telegraph، كان هدفها هو دراسة علم الوراثة البشرية، ولكن أثناء تلك الدراسة، اكتشفت «دور نوع معين من الاستجابة المناعية فى الحماية من الملاريا»، لذلك، قررت جيلبرت صنع لقاح «يعمل من خلال هذا النوع من الاستجابة المناعية»، وبدأ الشغف باللقاحات، وبالنسبة للفيروسات التاجية، استخدمت جيلبرت فيروسات الشمبانزى (فيروس نزلات البرد) إلى جانب المواد الوراثية من ارتفاع البروتين لفيروس سارس – CoV – 2 الذى من شأنه أن يدفع جهاز المناعة لمحاربة الفيروس، قام اللقاح فى التجارب المبكرة بتحفيز الأجسام المضادة وكذلك خلايا T نوع خلايا الدم البيضاء مما سيدفع جهاز المناعة إلى تدمير الفيروس المسبب لـCovid-19.
اكتسبت جيلبرت تلك المهارة من خبرتها السابقة فى مكافحة MERS الذى ذهبت لمواجهته فى السعودية فى عام 2015، وفقاً لتقرير Bloomberg Businessweek، حاولت جيلبرت جعل لقاح MERS باستخدام فيروس الشمبانزى ودمجه فى المادة الوراثية لفيروس MERS وهى طريقة مشابهة جداً تستخدمها الآن فى لقاح COVID-19. وبرغم ذلك واجهت جيلبرت صعوبة فى الحصول على تمويل لتجارب لقاح فيروس كورونا، إلا أن المساعدة سرعان ما تدفقت من جهات مختلفة بعد الاجتياح العالمى وتلقت منحة قدرها 2.2 مليون جنيه إسترلينى من حكومة المملكة المتحدة، صارت جيلبرت أيقونة علمية حتى فى اختيار كلماتها بانضباط وصرامة العلم عندما قالت فى لقاء مع البى بى سى، «إن آفاق (اللقاح) جيدة للغاية، ولكن من الواضح أنها غير مؤكدة تماماً»، وهذا هو العلم الذى يحلم لكنه لا يبيع الوهم.
* نقلا عن “الوطن”