زيزو – قصة كرة القدم
218TV| خاص
“زين الدين زيدان” هذا الإسم الذي يحمله اللاعب الفرنسي –جزائري الأصل- له رنّة خاصة، تقع على آذان الناس بشكل مختلف عن البقية، فقد غيّر هذا الرجل كلّ شيء في تاريخ كرة القدم، حيثُ بدأ مسيرته في شوارع مارسيليا الفقيرة بحذاءٍ رثٍّ وكرة رديئة حتى كبُر الولد وحقّق كل الألقاب الممكنة، وكل البطولات الثقيلة والمهمة لأي لاعب، واعتزل وهو أفضل لاعب في العالم وفي قمة مجده وعطائه.
بعد ذلك بسنوات، دخل عالم التدريب بشكل لم يتوقعه أحد، فقد تحصّل على ثقة أكثر رؤساء الأندية تذمرًا وغضبا وتسرعا في القرارات، وورثَ فريقا مليئا بالمشاكل والعُقد، وخاسرا من الغريم التقليدي برشلونة برباعية نظيفة، ليقود هذه الكتيبة إلى لقب أبطال أوروبا ثلاثة مرات على التوالي، كإنجاز لم يسبقه عليه أحد، واكتسح في الطريق إليه كل مدربي ونجوم أوروبا، وامتلك عدد بطولات أكثر من بطولات أنديةٍ بعينها، ثم فعل ما فعله سابقا واستقال، وهو أفضل مدرب في العالم.
هذه المثالية في مسيرة زيزو هي القصة… حين يسألك أحد عن معنى كرة القدم، ما عليك سوى أن تخبره عن زيدان، لقد خُلق ليكون ملك هذه اللعبة الأكثر شعبية، وصار عرّابها في أرض الملعب وخارجه، بعد أن أثبت أنه يملك فكرا تكتيكيا وشخصية عظيمة قادرة على أن تهزم كل عقبة في الطريق.
في خلال المؤتمر الصحفي المفاجئ الذي عقده رفقة رئيس النادي “فلورنتينو بيريز” الذي ملأ وجهه الشحوب، وعبّر عن حزنه ودهشته من هذا القرار الذي لن يستطيع تغييره، كان “زيدان” صارما وواثقا من قراره، وتكلّم عن الأمر بشكل فنّي للغاية، فهو أحبّ أن يكرر ما فعله في نهاية مسيرته كلاعب، الخروج من الباب الكبير كأسطورة، وليس الخروج مطرودا بعد ألاّ يستطيع تحقيق بطولات أخرى خلال السنوات المقبلة.
يهتم زيدان بمسيرته وشكلها، وهو يجيد إدارتها حتى يبدو كأنه يتحكم فيها، يعرف ماذا يفعل وكيف يفعل بسهولة تامة، فهو يفهم اللعبة ويعشقها، ولذلك تفوّق على أولئك المدربين الكبار الذين يفرطون في وضع الخطط الغريبة والمعقّدة من أجل نيل الألقاب، التي فاز بها زيدان بتحفيز لاعبيه واعتماده على البدلاء في تغيير النتيجة، فكان دائما الذي يكسب في شوط المدربين، وقد أثبت لغوارديولا ومورينهو وأليغري وأنشيلوتي وهاينكس وفالفيردي وأخيرا كلوب وغيرهم أنه ليس فقيرا تكتيكيا وقادر على أن يصنع الحلول من أي مكان في الملعب وعن طريق أي لاعب في مجموعته.
لم يكتفي زيدان بهذا وحسب، بل صنع نسخة خارقة من كريستيانو رونالدو، الذي أجبره على البقاء في الدكة ليخزّن طاقته للمواعيد الكبرى، وقد رأينا ذلك جليًا في النسخ الثلاثة الأخيرة. واعترف ورنالدو وزملاؤه بدور زيزو العظيم في جعل ريال مدريد لا يُقهر. إضافة إلى راموس ومارسيلو وثلاثي خط الوسط الذين أدّوا معه هذه السنوات بشكل مثالي، كما إنه استطاع شحن حارسه بعد تذبذب مستواه في الدوري معتمدا على الدعم المعنوي، وأذاق مهاجميه “بنزيما وبيل وايسكو” مرارة وجحيم دكة البدلاء، حتى أخرج منهم نسخة مرعبة واجتاز بهم عقبة نصف النهائي والنهائي بجدارة واستحقاق، كما كانت للفرنسي أوراقه الرابحة الخاصة من الشباب “أسينسيو، فاسكيز، ناتشو، كوفاسيتش” الذين كان عليهم أن يعوّضوا دور لاعبين مهمين خرجوا في الصيف إلى أندية كبيرة.
سيرتاح زيزو من ضجيج الملاعب في الموسم المقبل، فهو يطيل التفكير في شؤون مسيرته، وبالتأكيد سوف يختار وجهته القادمة بعناية، ومن مكان قويّ كونه صاحب الإنجاز الاستثنائي في أوروبا، التي تحلم جميع أنديتها بالتعاقد معه، ليس لأنه مدرب عبقري فقط، بل لأنه مثال لمعنى كلمة رياضي، ومثال للشخص الذي يحب الفوز ويسعى إليها.
إن وقفة زيدان في الدكة تعطي الجميع سعادة ومتعة تلقائية حتى للخصوم، فهو يملك كاريزما جعلته يوما ما وجها إعلانيا لأكبر الشركات والماركات على مستوى العالم، كما إنه حظي باحترام زعماء وشخصيات سياسية وثقافية كثيرة، إضافة إلى علاقته الخاصة مع رئيس ريال مدريد، الذي عبّر في كل مرة عن عشقه وامتنانه لزيدان، واعتباره رمزا للنادي ولتاريخ كرة القدم.
عندما وصل الفتى الفرنسي إلى مدريد كان يشعر بأنه منحوس، فقد جاء من يوفنتوس وهو يحمل خسارتين في نهائيين متتاليين لأبطال أوروبا، لكن الـ 70 مليون يورو التي دفعها بيريز كانت نتيجتها أن زيدان صار مالك عرش هذه البطولة، لاعبا ومدربا. فقد سجل هدف الفوز في التاسعة وكان مساعد المدرب في العاشرة والمدير الفني والمهندس للثلاثية المتتالية.
جماهير ريال مدريد الحزينة ستقول وداعا لزيزو. لكن جماهير كرة القدم ستقول: أهلا وسهلا. فمازال هناك الكثير من الوقت والتجارب والأندية التي تريد أن تسجل في تاريخها إسم “المايسترو”.