روايات الصيف
عبده وازن
لا نعيش فصل الصيف مثلما يعيشه الغرب وبخاصة أوروبا. ليس الصيف حدثاً في حياتنا ننتظره بحرقة وشوق كما ينتظره الأوروبيون عموماً، عاماً تلو عام. الشمس رفيقتنا كل يوم، حتى في عز الشتاء. الصحراء والبحر على مرمى أنظارنا والسماء إذا اكفهرت فهي سرعان ما تنقشع. أما القمر فجارنا في الليالي المنجمة، نكاد نسمع صمته المريب…
لا نعرف ما يُسمى «ثقافة» الصيف التي باتت راسخة في أوروبا كلها. هذه «الثقافة» تتشارك في صنعها الحياة نفسها والطبائع والأمزجــة وكذلك الأدب والصحافة والفنون على اختلافها، وكذلك الطاــئرات والسفن والقطارات… كأن الصيـــف في أوروبا فصل شبه مقـــدس له طقوسه وتقاليده ومواعيده أو روزنامــته…
ويمكن الكلام عـن صحـــافة أوروبية صيفية لا تشبه صحافة الفصول الأخـــرى. في فرنسا مثلاً تحمل صحف مثل لوفيغارو أو لوموند شعاراً على الصفحـــة الأولى «جريدة الصيف». ومن يقرأ هاتين الصحيفتين، بل كل الصحف والمجلات، يدرك للفور أنها تختلف كل الاختلاف عمّا تكون في الفصول الأخرى. ناهيك عن الأعداد الخاصة التي تصدرها الصحافة المقروءة في مطلع الصيف وغايتها توفير موادّ تليق بفصل العطلة والاستراحة والاستجمام، علماً أن بعضها قد يكون ذا طابع فلسفي أو سوسيولوجي أو بسيكولوجي وعلمي… أما النشر فيزدهر ازدهاره الصيفي، فتخص الدور القراء بما يملأ حقائبهم من روايات وقصص وكتب مغامرات وسواها مما تصلح قراءته على الشاطئ أو تحت الأشجار كما تفيد بعض الإعلانات.
يقول ألبير كامو: «أدركت أخيراً، في وسط الشتاء، أن في قلبي دوماً صيفاً لا يزول». كتب كامو هذه الجملة في أحد نصوص كتابه «الصيف» (1954)، وهذا الكتاب الجميل والمتوسطي الهوى مثل صاحبه، أدرجته مجلة «لير» الأدبية الفرنسية في خانة الروايات الصيفية أو التي تدور في الصيف وحوله. وأصلاً معظم روايات ألبير كامو ونصوصه السردية ذات مناخ صيفي، متوسطي وفي مقدمها «الغريب» و «أعراس» و «الصيف»… وبطل «الغريب» الذي يدعى ميرسو، لا يرتكب جريمته المجانية إلا تحت أشعة الشمس اللاذعة حتى ليمكن وصفها بالجريمة الصيفية. في كتاب «الصيف» يجول كامو في قصصه هذه أو نصوصه الغنائية الطابع، المتوسط الجزائري انطلاقاً من الجزائر المدينة ووهران لينتهي في اليونان مستعيداً بعضاً من معالم الأساطير الإغريقية ولا سيما بروميثيوس.
وفــي عنوان «الصيف» (1917) أيضاً تورد المجلة في سياق تحقيقها وعنوانه «لو رُويَ لي الصيف» رواية للكاتبة البريطانية إديث وورتون وفيها تسرد قصة المرأة الشابة والجريئة والمتحررة التي تدعى شاريتي رويال، الموظفة في إحدى المكتبات العامة والتي تقع في حب مهندس شاب يدعى لوقيوس هارني. لكنّ الرواية تبلغ ذروتها صيفاً عندما تخيّم البطلة مع حبيبها وسط المناظر الخلابة في إحدى قرى نيوإنغلاند فيصطدمان بجدار التقاليد التي تحرّم مثل هذا اللقاء العشقي. الرواية الصيفية الأخرى هي «صوب المنارة» (1927) للروائية البريطانية فيرجينيا وولف، وهي من أجمل أعمالها وتدور وقائعها صيفاً على شاطئ البحر في إحدى جزر أسكوتلاندا. في هذه الرواية المشبعة بذكريات الطفولة تدمج وولف على طريقة جيمس جويس بين الاستبطان الذاتي والحدث.
الرواية الرابعة هي «الساعة العاشرة والنصف مساء في الصيف» (1960) للكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس. تجري وقائع الرواية في إسبانيا، وبطلاها ماريا وبيار هما في طريقهما إلى برشلونة لقضاء عطلة الصيف. في الساعة العاشرة والنصف من مساء إحدى الليالي الصيفية تقبض ماريا على حبيبها بيار في أحضان امرأة أخرى.
لا تغيب الرواية الأميركية عن تحقيق مجلة «لير» فتحضر «ضوء آب» (1932) رواية وليم فولكنر الشهيرة. في هذه الرواية تذرع امرأة شابة وحبلى مشياً أراضي ألاباما الحارة والمغبرّة بحثاً عن والد الجنين الذي في بطنها. وفي طريقها تواجه حريقاً في منزل وجريمة تُرتكب ثم يظهر شخص رهيب هو جو كريسموس الذي قتل للتو عشيقته…
رواية بريطانية أخرى للكاتب يان ماكيوان هي «كفّارة» (2003). في آب (أغسطس) 1935 في بيت بورجوازي في إحدى القرى البريطانية تحلم بريوني في أن تصبح روائية. وفي سياق السرد يصادف أن تقع اختها سيسيليا في حب روبي ابن إحدى الخادمات…هنا تتقاطع المصائر وتتواجه في قلب هذا الصيف.
هذا هو الصيف، فصل الهروب والهوى والحرية، الصيف الذي قال عنه إدغار آلان بو: «في الصيف ليلاً تمسي الضوضاء في عيد».
…………….
صحيفة الحياة