رحلة فتحية الليبية في الأسواق.. الجيب “ضنين بما فيه”
218TV.net خاص
أحلام المهدي
في هذا الوقت من كل عام، تتحسّسُ الأصابع الجيوب والمَحافظ، محاوِلةً العثور على الورق المُلوّن الذي لم يعد العثور عليه سهلا كما كان، إنها سيدة ليبية، وقد يكون والداها أطلقا عليها اسم “فتحية” أو “مبروكة”، ليُحدّدا منذ البداية خطّ سيرها في هذا العالم، فتفتح الدنيا ذراعيها لها وتشرع كل الأبواب أمامها إذا كانت “فتحية”، ويباركها الله في عليائه إن كانت “مبروكة”، وهذا تفاؤلٌ بالقادم لم تخلُ منه حتى أسماؤنا.
ولكن، ماذا عن حياة فتحية هذه، أو حتى مبروكة أو سعيدة؟
إنها تنتظر شهورا طويلة دون أن تضع دينارا واحدا في محفظتها التي اعتادت عليها منتفخة على الدّوام، هي اليوم شقيّة، وتعرف أن ليس لها من اسمها أي نصيب، فباب المصرف مقفل في وجهها، وأبواب الأسواق عصِيّة عليها، وحتى أبواب المستقبل باتت مواربة إلى أجل غير مُسمّى، “فتحية” قد تحصل بعد عدّة شهور على 400 دينار، ربما عن طريق “شيخ المحلّة” إن كانت محظوظة، لأنها إن حصلت عليها عن طريق رقم مسبق من البنك فسيجد الإرهاق واليأس طريقهما إلى عزيمتها قبل أن تجد النقود طريقها إلى حقيبتها.
أما فيما يمكن أن تفعله المئات الأربع، فهو سيّان للمتزوجة وللعزباء، فللأولى أسرة وأبناء وللثانية أسرة وإخوة، فمجتمعنا الليبي لم يفرّط في بناته، ولم يطلق سراحهن بعد للابتعاد عن العُشّ الأسري سواء تزوجن أو لم يفعلن، وستصل الأربعمائة دينار، بعد أن تكون “فتحية” قد صرفت ضعفها في محلات البقالة والمخابز، لكنها لن تُسدّد كل الدّيون الآن، فلديها التزامات مالية كثيرة، ولأن شهر “رمضان” طويل واحتياجاته كثيرة فستحاول اقتطاع الجزء الأكبر من هذا المبلغ لضروريات “رمضان” التي اعتادت عليها الأسرة، لكنها أيضا لن تغفل “العيد، وقد تترك شيئا من النقود لأجله.
تقصد السوق في صباح اليوم التالي، تُلقِي نظرة سريعةً على أسعار بعض السّلع المعروضة، فيما يدُها تقبض على الحقيبة فيما يشبه الترجمة لما تشعر به، ستحاول أن تقتصد ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، لذلك قررت أن تشتري الأهم ثم المهم، حسنٌ لنبدأ، الزيت، نعم إنه ضروري، وخاصّة أن زيت الزيتون الذي كان يملأ “دار الخزين” لديها، اضطرت إلى بيع الجزء الأكبر منه لتشتري الخبز والماء اللازمَين لاستمرار الحياة في البيت، ستدفع في ذلك بين الأربعين والخمسين دينارا، حسب “ماركة” هذا الزيت ومصدره، والطماطم ضروري أيضا، فحتى “المبكبكة” رفيقة الأزمات تحتاجه، وفيه ستضع قرابة العشرين دينارا.
الأرز والكسكسي أيضا ستحتاجهما كثيرا، خاصة وأنها لن تستطيع توفير “البراك” و”المبطن” الذي تحبه عائلتها يوميا على سفرتها، 4كيلو فقط من الكسكسي كان ثمنها تقريبا 15 دينار، أما الأرز فقد دفعت في كيسه ذي الكيلوات الخمس قرابة العشرين دينارا أيضا، وعشرون أخرى دفعتها ثمنا لبضعة أكياس من المكرونة، وبحسبة بسيطة قررت أن تشتري شيئا من الحليب والتمر، إكراما لرمضان، علبة الحليب محلية الصنع صار ثمنها أربعة دنانير، وضعت بامتعاضٍ ثلاث علب في سلة التسوق خاصتها، ووضعت كيلو واحد من التمر الرديء الذي كُتب على علبته “10 د”.
مرت بعد ذلك سريعا على ثلاجة الأجبان التي قرأت على عبواتٍ صغيرةٍ لبعض منتجاتها أسعارا فلكية، تبدأ من الثلاثين صعودا حتى تتجاوز المائتين، تحدث نفسها دون أن تنطق: لا داع للبيتزا هذا العام، تناولت بعد ذلك _بحذرٍ_ بعض التوابل، حتى لا تتجاوز المبلغ الذي خصصته لبضاعتها التي اضطرت لاختصارها كثيرا، وفي البيت ألقت جسدها المُنهَك على أقرب “مندار”، وتأملت بقية المبلغ ورأسها تغلي كالقدر، لأنها تعلم تماما أن “العيد” سيأتي دون أن يجد معها دينارا واحدا، وحتى إن لم يذهب “رمضان” ببقية النقود، فسيذهب بها حذاءٌ واحدٌ لأحد أبنائها الخمسة.