درنة الليبية إمارة للإرهابيين
د. جبريل العبيدي
الإرهابيون في درنة على خطى «داعش» في نسف الجسور بالعراق، لقد نسفوا جسراً جبلياً تاريخياً يربط شلال درنة بوسط المدينة، في محاولة يائسة من أعداء الحياة الانتقاميين شياطين الإرهاب لعرقلة تقدم قوات الجيش الليبي، التي استنفدت جميع السبل لحل الأزمة سلمياً بتسليم المدينة والمطلوبين لسلطات الدولة، رغم كثير من الوساطات المحلية، خصوصاً أن المدينة تعج بالفارين والمطلوبين، ليس محلياً فحسب بل دولياً.
درنة الليبية التي اختطفتها ميليشيات الإسلام السياسي، متسترة على وضع سكانها المأساوي، الذين تعرض بعضهم للذبح والسحل والصلب في الشوارع والميادين الرياضية، هي خارج سلطة الدولة منذ ذلك التاريخ فبراير عام 2011، حيث رفضت ميليشيات الإسلام السياسي انتخابات المؤتمر الوطني عام 2012، ورفضت انتخابات البرلمان 2014، وحتى المجالس النيابية، حيث سيطرت ميليشيا بوسليم (تشكلت من سجناء إسلاميين سابقين) وهي ميليشيا تدين بالولاء لتنظيم القاعدة التي تحالفت مع ميليشيات الإخوان (الدروع)، وتسترت على وجود تنظيم داعش، وأنكرت وجوده في هذه المنطقة حتى إعلان المدينة في 2015 ولاية تابعة للبغدادي، تحت اسم «مجلس شورى شباب درنة» الذي أعلن مبايعته للبغدادي، حيث تلقى أبو حبيب الجزراوي وهو يحمل الجنسية السعودية نيابة عنه وفود المبايعين للتنظيم في مدينة درنة، ثم تم تعيين اليمني أبو البراء الأزدي، والياً على المدينة، ثم أبو حبيب مفتياً فيها، وبذلك استكملت درنة في 2014 مقومات كونها أول ولاية لـ«داعش» على ضفاف البحر المتوسط، في ظل تستر واضح وإنكار مارسهما أغلب قيادات تنظيم الإخوان من بينهم القيادي عبد الحكيم الحصادي، الذي كرر في أكثر من مرة عدم وجود إمارة إسلامية في درنة، رغم إعلان «داعش» عن نفسه بالصوت والصورة أنه في المدينة، قبل أن يواجه صراعاً تنافسياً مع بقايا تنظيم القاعدة بعد مقتل قيادي بارز في ميليشيا أبو سليم هو سالم دربي، ما دفع بالتنظيمين الإرهابيين إلى صراع طفا على السطح، انتهى بخروج الموالين لـ«داعش» وبقاء الموالين لتنظيم القاعدة في المدينة. وهكذا يتضح أن ما يفعله هذان التنظيمان الإرهابيان هو مجرد خدعة من أجل تبادل الأدوار.
حالة النكران لوجود الإمارة الإسلامية في درنة لم تقف عند عضو المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، بل كانت عند المفتي المعزول صادق الغرياني، المطلوب على قوائم الإرهاب الدولية، الذي كان ولا يزال يجاهر بتحريض ميليشيات شورى درنة على عدم الاستسلام للجيش الليبي، ومواصلة قتال الجيش، في تحريض علني على مسمع ومرأى من الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، دون أدنى مطالبة بمحاكمته وملاحقته قضائياً على المجاهرة بالتحريض على قتال قوى شرعية هي الجيش الليبي، ومناصرة جماعة إرهابية تنقلت في الولاء والطاعة بين الظواهري والبغدادي رافضة أي شكل من أشكال الدولة، رغم دعوات المخادعة بطلبهم من الجماعات الإرهابية المختطفة لمدينة درنة رفع أعلام الدولة وشعاراتها على المباني الحكومية التي سبق للجماعات الإرهابية منعها في تقية جديدة أطلقتها قيادات إخوانية بارزة، في محاولة لتضليل الرأي العام المحلي والدولي لتدويل أزمة درنة.
تنوع الإرهابيون في درنة بين القاعدة و«داعش»، حيث تقاسموا المدينة، ومنهم الإرهابي الهالك عبد الله بن طاهر الفار أحد أبرز قيادات تنظيم القاعدة في المدينة، الذي كان يظهر لأهالي درنة حاملاً رؤوس ضحاياه بين يديه، ليرسم مشهداً من التوحش يرهب به السكان المحليين، شاطره الإرهاب والذبح الإرهابي سفيان بن قمو، وهو مجرم سابق وصاحب سجل طويل في تاريخ الإرهاب، وهو سائق بن لادن في أفغانستان، وكان سجيناً في غوانتانامو قبل تسليمه للسلطات الليبية قبل فبراير 2011، وأطلق سراحه في تسوية كان عرابها سيف الإسلام القذافي مع جماعات الإسلام السياسي، لكن هذه الجماعات سرعان ما نقضت عهدها وتنكرت للعفو، وكان من هؤلاء سفيان الذي فرّ إلى درنة حيث شكل ميليشيات بايعت تنظيم البغدادي (داعش).
وجود الإرهابيين في درنة تعلمه، عدداً واسماً وشكلاً ورسماً، القوات الأميركية (أفريكوم)، فقد سبق لطائراتها قصف مواقع استهدفت فيه قيادات الإرهابيين في درنة، ولكن البراغماتية الأميركية في التعاطي مع الإرهابيين وتوصيفهم، التي تتأرجح بين المطاردة والاستخدام، كانت السبب في تلون هذه الجماعات وحصولها على جلسات إنعاش من حين لآخر لتتلون كالحرباء بتسميات متعددة، فمن مجلس شورى «مجاهدي» درنة تحول إلى قوة «حماية» المدينة، بعد أن تلقى نصائح قيادات إخوانية لتغيير الاسم، رغم ظهور الشخوص أنفسهم في محاكاة على خطى جبهة النصرة وتحولها إلى فتح الشام.
درنة منذ فبراير 2011 وهي تحتضن هذه الجماعات مستغلة طيبة أهل المدينة، وتقبل السكان لوجود الغرباء والرحل، وهكذا فإن تساهل السكان المحليين تم استغلاله من الجماعات الإرهابية لتوطين زملائهم العابرين للحدود.
درنة التي تضم رفاة أكثر من سبعين فرداً من الصحابة… بلد الثقافة والمعرفة والتعايش المجتمعي، التي شهدت ميلاد أول مسرح ليبي حديث منذ 100 عام، لا يمكن لها أن تستمر حاضنة للإرهابيين وإمارة لهم على ضفاف المتوسط، خصوصاً أن الجيش الليبي قد بدأ الزحف والتقدم نحو المدينة لتحريرها من هذه التنظيمات الشرسة التي حولت حياة الناس إلى جحيم.