داعش.. خطر متنامي يترصد ليبيا وتونس
لطالما كان الإرهاب المنتمي للأيدولوجية الدينية عابراً للحدود الوطنية، فهو لا يعترف بهذه الحدود التي تتعارض مع أدبياته الأصولية التي تُعد الخلافة الإسلامية بمفهومها الفضفاض قوام نشاطه السياسي، وهو ما ظهر جلياً في أجندات تنظيم داعش الإرهابي الذي أعلن قيام دولته الإسلامية، مستغلاً الجماعات التي كانت منطوية تحت تنظيم القاعدة الإرهابي الذي خسر معقله في أفغانستان، وفقد معه القدرة على التواصل مع هذه الجماعات حول العالم.
وفاقمت حالة الفراغ السياسي التي تلت ثورات الربيع العربي من الهاجس الأمني، حيث نجح تنظيم داعش الإرهابي في خلق شبكات اتصال بين العناصر المتطرفة حول العالم، وتبدو الحالة الليبية التونسية لافتة مع تزايد نشاط التنظيم الإرهابي على الحدود بين البلدين، حيث ساهم الإرهابيون التونسيون في العديد من العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، بينما ساهم التنظيم في نقل الأسلحة والذخائر والموادة المتفجرة إلى الداخل التونسي لزعزعة الاستقرار، وضرب عصب الاقتصاد التونسي القائم على مدخلات القطاع السياحي، كما وفّرت ليبيا بيئة مناسبة لتدريب المتطرفين وتهيئتهم قبل ولوجهم في عمليات التنظيم.
وسلّطت محاكمة تونس لخلية إرهابية من أربعة عناصر متهمة بإدخال شحنات من الأسلحة والمتفجرات إلى تونس انطلاقًاً من ليبيا، الضوء على حجم التعاون بين الإرهابيين والفاتورة الباهظة التي يدفعها البلدان نتيجة لاتساع دائرة نشاطهم، وكشفت محاكمة الخلية عن استراتيجية تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، حيث تتهم الخلية التونسية بالتخصص في عمليات إدخال أسلحة ومتفجرات بعد تهريبها من ليبيا لاستعمالها فيما بعد في عمليات انتحارية، عن طريق الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.
ويستغل تنظيم داعش ليبيا كملجأ لقيادات التنظيم الهاربين من تونس، والملاحقين على الصعيد الوطني والدولي، وهو ما يتوافق مع معلومات حصلت عليها 218 من مصادر أمنية تؤكد أن الأجهزة الأمنية الليبية ألقت القبض على الإرهابي التونسي الخطير “بلال بن عبدالوهاب بن طراد” في طرابلس، في إطار متابعة أمنية مكثفة لإرهابيين محتملين في منطقتي جبل نفوسة وصبراتة.
وقبل نحو أسبوعين، أكدت مصادر من مكتب النائب العام لـ218 مباشرة الأجهزة الأمنية في عمليات بحث عقب ورود معلومات تؤكد وجود القيادي التونسي البارز في تنظيم داعش أشرف بن فتحي القيزاني غرب البلاد، وهو ملاحق من الولايات المتحدة التي صنفته كإرهابي عالمي ملاحق على الصعيد الدولي، كما حصلت 218 على وثيقة رسمية موجهة من الإدارة العامة للعمليات الأمنية إلى وزارة الداخلية، تؤكد أن الإرهابيين حمزة بن سالم العائب والهادي بن ضو الغويل المطلوبين لدى السلطات التونسية، موجودان في ليبيا، وتحديداً في قرية تكوت القريبة من نالوت.
وهذه العملية ليست الأولى من نوعها في الفترة الأخيرة، حيث نجح جهاز الأمن الداخلي في وقت سابق في القبض على الإرهابي امحمد التواتي، أصيل مدينة صبراتة، والذي انضم لتنظيم “داعش” الإرهابي أواخر العام 2015، في ذروة نشاطه في منطقة الساحل الغربي حيث تولى الإرهابي عمليات تسهيل دخول الإرهابيين القادمين من تونس إلى ليبيا لتنفيذ عمليات إرهابية، أخطرها كان تسلّم مُنفذ العملية الانتحارية بفندق “كورنتيا”، الإرهابي إدريس العمروسي، فور وصوله من تونس، عبر مدينة الجميل.
وتشير تقارير أمنية إلى تواصل عمليات انتقال الإرهابيين عبر الممرات الأخطر الرابطة بين ليبيا وتونس، حيث تتواجد قيادات داعش بشكل سري في مناطق بجبل نفوسة والساحل الغربي، حيث يتوقع أن تتوصل الملاحقات الأمنية للإطاحة بأسماء قيادية مطلوبة على الصعيد المحلي والدولي.
ويطرح النشاط اللافت لهذه الجماعات بين ليبيا وتونس أسئلة حول الدور الأمني والتنسيق الحكومي بين الجانبين، في ظل توتر بدا عابراً في العلاقة بين البلدين بعد اتهامات متبادلة بدعم الإرهاب، وهو مناخ قد يجد فيه التنظيم الإرهابي مساحة عمل واسعة مع تصاعد نشاطه في الآونة الأخيرة في الساحة العراقية والسورية، بالإضافة للمجاهرة بوجود خلاياه في جنوب غرب البلاد في ظل هشاشة أمنية على طول منطقة الساحل الأفريقي، فهل تنجح سلطات البلدين في صياغة تصور أمني واستخبارتي يحد من نشاط التنظيم الذي دفع البلدان ثمناً باهضاً لعملياته العمياء؟