خليفة حفتر وآخرون في القائمة
حمزة جبودة
1
سأدخل مباشرة في الجدل الدائر في ليبيا، أنا مع محاكمة ومحاسبة خليفة حفتر ومن معه، بل يجب أن تكون هناك محاكمة عادلة وحقيقية، بل مع محاسبة كل عسكري أهان أو ارتكب أي جريمة أو انتهاك في حق المدنيين، إن فُتح تحقيق في حادثة القصف العشوائي على منطقة أبو سليم، وكشفت أن قائد الجيش خليفة حفتر وقواته هي من أطلقت القذائف على المدنيين.
بدون لفّ ولا دوران، هكذا أحببت أن أبدأ حديثي وأن اختصر المسافات، وأن ابتعد عن اللغة الخشبية التي يُحبّها بعض “كِبار كُتّاب ليبيا” الذين اثبتوا ويثبتون في كل رهان وجحيم نعيشه، أن لا مشروع ولا فكر في عقولهم، لا يملكون إرادتهم الحُرّة، في كل حرب يختبئ هؤلاء في خِيام أهلهم ويخرجون في السِّلم مُنادين بدولة القانون. من الخطأ والعيب أن يختبئ “المتنوّر” خلف خيام قبيلته ومدينته وجهويته. ليبيا أكبر من المدن، هكذا تعلّمنا في مناهج الواقع لا الكتب والندوات.
حرب طرابلس اليوم ليست كما يُسوّق لها البعض، فهي حرب بين المشروع العسكري والمشروع الميلشياوي، وحين أقول العسكري أو الميليشاوي لا يعني هذا أنني أتحامل طرفا، ضد الآخر، بل هذا هو الواقع، بعيدا عن شعارات الدولة المدنية.ولأنني فتحت باب المحاسبة والعقاب، وجدت من الضروري في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها جميعًا، أن نفتح كل الدفاتر وأن نلعب معًا جميعًا لعبة “كشف الحساب”، وأعتقد أنها لعبة قاسية، على البعض، لنبدأ معًا.
بما أننا فتحنا ملف الجريمة والعقاب، علينا أن نتحلّى بالشجاعة وأن نطالب “جميعنا” بمحاكمة من أصدر قرار رقم 7 في حق بني وليد، ومن أجبر الليبيين على قانون العزل السياسي، الذي بسببه تخبّطت فيه ليبيا ودخلت النفق المظلم.. الجرائم لا تنتهي عند هذا، من أحرق مطار طرابلس، ومن دبّر مجزرة غرغور، من كشف في لقاء تلفزيوني أنه كان يدعم “شورى بنغازي” بالسلاح، من صرف الملايين لأجل الكتائب المسلحة والدروع، وتجاهل ترميم المؤسسة العسكرية وجمع أفرادها.
لماذا لا نُحاسب المؤتمر الوطني العام، الذي بسببه تحوّلت ليبيا إلى بلد الإرهاب والمطلوبين دوليًا، لماذا لا نملك الشجاعة ونقول الحقيقة كاملة، دون تزييف أو اختيار المفردات أو الأشخاص. لماذا لا تتم مساءلة يوسف المنقوش الذي كان يوما يترأس منصبًا عسكريا كبيرا، حول الأموال التي صُرفت لرئاسة الأركان، وهي بالمناسبة موثّقة بالأرقام في تقارير ديوان المحاسبة، وماذا فعل خالد الشريف حين كان وكيلا لوزارة الدفاع؟ لماذا تمّ تهميش المؤسسة العسكرية؟
لم ندخل بعد في ملفات الفساد المالي الكبير، من حكومة عبدالرحيم الكيب، إلى الوفاق والمؤقتة، وعن الأرقام الفلكية التي صُرفت لشراء الذمم تاركة الليبيين على أبواب المصارف في مشاهد الذل والإهانة، لم ندخل في فشل المجلس الرئاسي وحكومته، التي استبشرنا فيها خيرا واكتشفنا أنها وقعت أسيرة للكتائب المسلحة، وفي كل حرب تعيشها العاصمة وغيرها، تلجأ لعُزلتها منتظرة المنتصر لتصافحه، كما فعلت في صبراتة إبان الحرب على داعش.
من يُحاسب من؟ هذا هو السؤال الأهمّ الذي يجب أن نطرحه، وخليفة حفتر وغيره من الأطراف في ليبيا، هُم ليبيون وعلينا أن نكون على شجاعة كاملة ونطالب بمحاسبة الجميع، من يُحاسب من؟ علينا جميعًا أن نفتح هذا الملف، في هذا الوقت بالتحديد، علينا أن نكون ولو لمرة واحدة على مطلب واحد وهو محاسبة كل من أفسد أحلامنا وعكّر صفونا، لا اختيار الزمن والمكان، والتلاعب بالمفردات.
2
هل تُصدّقون أن أكبر داعمي خليفة حفتر، هُم خصومه، لا حُلفاؤه، نعم هذه هي الحقيقة الغائبة عن المشهد الدامي اليوم في ليبيا، أول الداعمين لمشروع خليفة حفتر كان المؤتمر الوطني العام، حين قرّر إبعاده وصرف الأموال على الدروع والكتائب المسلحة التي قِيل عنها اليوم أن وجودها وتأسيسها كان لأجل حماية “الدولة المدنية”، سياسة غضّ البصر عن ما كانت تعيشه بنغازي ودرنة، من اغتيالات وتنامي قوة الإسلام المتشدد، كانت نُقطة الانطلاق التي قرّر فيها خليفة حفتر إطلاق عملية الكرامة. ما كان يفعله المؤتمر الوطني حينها، أسّس قاعدة شعبية معارضة له. وبالمناسبة مسألة الاهتمام بالمؤسسة العسكرية، كانت دوافعه فكرية بحتة، لأن التيار الإسلامي عاش عقودا تحت رحمة الأنظمة العسكرية، ما جعله يرى فيها العدوّ الأول له. وكأن الكتائب المسلحة لن تنقلب عليه، في لحظة ما، وهذا الدافع والداعم الآخر لخليفة حفتر.
ماذا قدّم المؤتمر الوطني حين كان السلطة التشريعية في ليبيا، أين نتائجه على أرض الواقع اليوم، هذه أسئلة مشروعة وتحديدا في هذا الوقت العصيب، علينا أن نفتح عيوننا بشكل أكثر واقعية، علينا أن نبتعد عن جهويتنا وعن مناطقنا وعن مدننا، ونلتزم بمشروع واحد، علينا أن نُحدّد ماذا نُريد بالضبط؟ ولماذا فشلنا في كل محاولاتنا. وهُنا أخاطب الليبيين والليبيات، لا من يتصدرون المشهد.
لا شكّ أن ليبيا تمرّ بأصعب منعطف في تاريخها المعاصر، وهذا أمر كبير وخطير جدا، ولذا طرح الأسئلة والإسراع في البحث عن إجابات لها، أصبح أمرا مُلحًا. ماذا نريد من ليبيا على وجه التحديد.
3
أما عن حكاية “عسكرة الدولة” فهذه تحمل التناقضات التي تُشجّع الأسئلة على الخروج علنًا، وأبرزها، إن كان “خصوم خليفة حفتر”، يعتبرون “جيشه” مُجرّد “مليشيا”، لماذا يُؤكدون أنه جيش حقيقي في اعترافهم غير المعلن، حين يُعلنون أنهم ضد عسكرة الدولة، ونحن نعرف تماما أن عسكرة الدولة تصنعها الجيوش لا المليشيات، حدّدوا التسميات جيدًا، إن كان جيشًا ستكون هناك عسكرة للدولة، وإن كانت ميلشيا فحتمًا ستدخل قائمة المليشيات ولن تكون خطرا على ليبيا، لكونها “دولة العسكر” مند أن مُنحت الجماعات المسلحة شرعية رسمية.