خفايا صراع الكاني ومجموعات طرابلس
طه البوسيفي
لا يكاد يمر عام _منذ 2011_ من دون أن تشهد طرابلس صراعاً دامياً بين المجاميع المسلحة التي تتقاتل من أجل النفوذ وكسب النصيب الأكبر من الكعكة (الاعتمادات والمزايا والمرتبات والشرعية)، الصراع هذه المرة قديم جديد بين مجموعات انشطرت من جسم فجر ليبيا الذي كان تحالفاً جعل الخارطة السياسية تتغير بأكملها صيف 2014 ، وجعل أيضاً المناخ السياسي ملوثاً أكثر، وساماً أكثر بفعل الرفض القاطع لنتائج الانتخابات التي أقصت تياراً سياسياً ومسلحاً يرفع شعارات الأدلجة الدينية تارةً والشعارات الثورية تارةً أخرى.
اليوم تعود طرابلس مسرحاً للعمليات العسكرية، هذه المرة في الجنوب الشرقي للعاصمة، حيث تقدمت قوات اللواء السابع المطور من كتيبة الكاني ترهونة التي كانت مقربةً بصورة أو بأخرى من الجماعة المقاتلة وكان يدعمها في لحظة من اللحظات عضو المؤتمر الوطني الأسبق عبد العليم أو أحمد فرج الساعدي الذي كان رئيس اللجنة الأمنية العليا ترهونة، اللواء السابع يرى أن دخوله للعاصمة انتزاعٌ للحقوق بالأيدي وذلك وفق المنطق المعكوس الذي أساسه الانتشار المسلح داخل العاصمة لكسب النفوذ والتأثير على صناعة القرار، فمنذ أغسطس 2011 كانت السياسة تُرسم وفق الخارطة العسكرية على الأرض وليس العكس لأن ما نتج عن ثورة 17 فبراير كان كارثياً فيما يتعلق بمسألة السلطة.
الصراع الدائر هذه الأيام كانت له مقدماتٌ عمرها أكثر من ستة أشهر بمفاوضات متقطعة وبصورة مباشرة وغير مباشرة لإعادة رسم المشهد في طرابلس وإنهاء سيطرة المجاميع في العاصمة والتي انتشرت وتوسعت وتكاثرت بعد خروج كتائب من الزنتان عام 2014 وكتائب من مصراتة عام 2016 وكذلك كتائب البركي بوسليم، والدمونة في قصور الضيافة، وكتيبة حماية سجن الهضبة التابع مباشرةً لسيطرة خالد الشريف المسؤول الأمني في الجماعة المقاتلة ووكيل وزارة الدفاع في حكومة زيدان، اللافت في الأمر حينها أن كتيبة كبرى في طرابلس ناصبت الشريف العداء اتخذت من مقره مكاناً لإعادة تنظيم نفسها بمعية شخصية وسيطة ذات ميول إسلاموي وهذا ما يؤكد أن أعداء اليوم هم أصدقاء الأمس ، فقط تباينت الرؤى واختلفت الأهداف فأصبح الصراع صراع بقاء.
المفاوضات كانت أطرافها عديدة من داخل طرابلس ومن خارجها، وصل معظمها إلى صيغة اتفاق شفهي بضرورة إدخال أطراف أخرى إلى دائرة الضوء كي تكون جزءاً أصيلاً في الترتيبات الأمنية ولكي تنال نصيبها من الكعكة الشهية، لكن تعنت البعض وتراخي وطمع البعض الآخر أفشل هذه المساعي.
قبل اندلاع الاشتباكات وارتفاع وتيرتها بشكل متسارع شهدت تخوم العاصمة تحشيداً عسكرياً لافتاً من قبل قوات اللواء السابع، انتشروا في مناطق ممتدة تفصل ترهونة عن طرابلس وكانوا في كل مرة يرفعون نسبة الاستعداد إلى حين اللحظة الفاصلة التي تقدموا فيها إلى أماكن نفوذ كتيبة الدعم المركزي بوسليم وهم يرفعون شعارات مستهلكة كرفع الظلم وإنهاء سطوة المجرمين، لكن الأهداف الخفية تؤكد أن الغرض هو مزاحمة هذه المجموعات النفوذ بطرابلس وكذلك الثأر لما حدث لبعض الكتائب المنصهرة مع اللواء السابع بعد أحداث بوسليم وقصور الضيافة وسجن الهضبة وغابة النصر واستغلوا بيان البعثة الأممية لصالحهم والذي انتقد وهاجم تغول مجاميع طرابلس وعرقلتهم لأداء المؤسسات.
لا يمكن بأي حال من الأحوال بعد هذا التحشيد والاشتباك وترويع الآمنين أن نغض الطرف عن عامل رئيسي أدى إلى ما وصلنا إليه وهو تقاعس المجلس الرئاسي عن تنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، فالبنود تعامل الكل معاملة تساوي الرؤوس، لكن الرئاسي استعان ببعضها لضرب الآخرين فظن أن الأمور قد آلت إليه، فنسي أن هنالك بنوداً في الاتفاق _كثير الثقوب_ تتطلب التنفيذ العاجل لضمان عدم الاصطدام المسلح، هذا لم يحدث، فارتفعت حظوظ القتال، وشاهدنا اليوم قتالاً قد يدوم وقد يعيد فعلاً تموضع البعض في الخارطة السياسية وإعادة من كانوا نسياً منسياً إلى دائرة الضوء من جديد.