خدعة دون مخادع
عمر أبو القاسم الككلي
لا أريد أن أتشكى. لكنني لا أذكر أنني عشت يوما في طفولتي، الباكرة والمتأخرة، يمكنني أن أصفه بأنه كان يوما سعيدا.
بالتأكيد كان ثمة ساعات شعرت فيها بالسعادة. لكنها كانت حالات عادية مما يمكن أن تدخل سرورا على وجدان الطفل، لكنها ليست سعادة مقيمة وعميقة.
ولكن كان ثمة حالات تنطوي على نوع من التركيب المفارق الحافل بالطرافة، الذي يمكن أن تستثير طرافته قدرا من الضحك في نفسية الطفل حين حدوثه، ولاحقا عند تذكره أو روايته.
ذات مرة، لعلي كنت في العاشرة أو الحادية عشرة، تخاصمت مع أبي قرب فترة المغرب، فطردني من البيت.
كنا نسكن في مزرعة برتقال وأشجار غابية، كبيرة. فخرجت أجول بين أرجائها على غير هدى.
حل الظلام وتكاثف وافتقدني أمي وأخواي وعلموا أن أبي قد طردني. خرجوا حاملين مصباح الكيروسين يطوفون أرجاء المزرعة باحثين عني منادين باسمي. لكن لم يعثروا لي على أثر ولم يسمعوا مني ردا.
فعادوا إلى البيت ليفَاجأوا بي فوق السدة أغط في نوم عميق!
تولدت الخدعة من تلقاء ذاتها. فلم أقصد أن ألعب دور المتخفي لأثير لديهم هذا الخوف والاهتمام والتعب، وإنما حدث أن عدت إلى البيت قبل أن يفتقدوني وتصادف أنه لم يلحظ دخولي أحد وصعدت إلى السدة، التي كانت سرير نومنا، ونمت.
وكما هو متوقع، فإن أبي لم يشترك في البحث معهم، وحين أيقظوني رأيته مستلقيا في مكانه المعتاد مستيقظا إلى جانبه علبة تبغه وملتفا ببطانيته.