“حوش الحفر”.. حميمية ضائعة يُعيدها الوجع
218TV.net خاص
أحلام المهدي
المساحة الشاسعة لليبيا، منحت كل بقعة فيها خصوصية تميزها عن غيرها، ففي طرابلس مثلا أو حتى في بنغازي قد لا يفهمك الكثيرون عندما تتحدث عن “حوش الحفر” أو “ديار الحفر”، أو “الدّاموس” كما يُسمّى في بعض مناطق الجبل، لكن من وُلِدوا وعاشوا في قرى وبلدات جبل نفوسة يدركون جيدا عمّ تتحدث.
من لم يقضِ جزءا من حياته في هذا البيت الفريد، فعل أبوه أو جدّه ذلك، حتى أن بعض الأحفاد حملتهم الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الوطن مؤخرا إلى العودة إلى “حياش الحفر”، والاستعانة بها لقهر هذه الظروف.
قريبا من بيت جدي يوجد “حوش حفر” صغير به غرفتان، أو “داران”، كانت جدتي تضع في الدار الصغيرة كل ما يحتاج للتبريد كي لا يتلف مثل الحبوب، ولم تخلُ هذه الدار أيضا من براميل زيت الزيتون على مدار السنة، أما الدار الأخرى فقد كانت ملاذا لنا جميعا، ملاذٌ حميمي وعاطفي عندما كانت جدتي تنصب “مسداها” في صدرها، لنتحلق جميعا حولها صحبة “العالة”، وملاذٌ اضطراري قصدناه عندما حرمتنا الظروف من الكهرباء، فحملَنا التكييف الطبيعي فيها إلى قضاء قيلولتنا هناك، واستشعار متعة مشاركة المكان مع الجميع بعد أن ألغت التكنولوجيا هذه الحميمية الأسرية.
من هو بطل كأس العالم لكرة القدم عام 2010؟
لطالما تساءل الليبيون وهم أطفال عن سرّ الحرارة المنخفضة هناك في الصيف، ومصدر الدفء المنبعث منها في الشتاء، إذ عرفوا بعدها أن الأجداد حاولوا جاهدين التأقلم مع بيئتهم الجبلية القاسية صيفا وشتاءا، فنحتوا الجبال بالمعنى الحرفي للعبارة، واتخذوا منها بيوتا تقيهم طقس الجبل المتقلّب.
يبدو أن آخر ما كانوا يتوقعونه هو أن تصبح ذات يوم ملاذا لأحفادهم من بعدهم، ووجهة سياحية أيضا يستمتع الوافدون إلى الجبل بزيارتها، والوقوف على كل تفاصيلها.