حكومة الكيب وبنية الخراب التحتية
سالم العوكلي
عندما تقلدت د. فاطمة الحمروش منصب وزيرة الصحة إبان حكومة الكيب، على غير منوال بقية الوزراء، اعتمدتْ الشفافية في عملها عبر كتابة ونشر الوقائع بتواتر، وإطلاع الرأي العام عما يحصل خلف الكواليس من قبل مسؤولين شاء القدر أن يكون مصير الليبيين بين أيديهم. فاطمة الحمروش؛ المعارضة المستقلة السابقة واللاحقة؛ والتي تدربت على أسس العمل المهني وتسجيل كل ما يحدث، تملك أرشيفا مهما عن تلك المرحلة التي من المفترض أن توضع فيها أسس بناء الدولة الليبية الجديدة، وهذه الفترة ــ أعنى فترة حكومة الكيب ــ لا أحد يتحدث عنها، وكان التركيز دائما على حكومة زيدان وما بعدها، رغم أن البنية التحتية لخراب ليبيا ولصراعاتها وحروبها التي مازلنا نعيشها أُنجِزت بعناية فترةَ حكومة الكيب، الذي ترك المشهد بعد أن وضع البلد على حافة الهاوية.
من ضمن هذه التدوينات المهمة والتي نشرت طازجة بتاريخ 2 أكتوبر 2012 ، ثم أعادت د. فاطمة الحمروش ، نشرها بتاريخ 30 يونيو 2018 ، لتُذكّر من تنفعه الذكرى بأصل الأزمة التي مازالت تعصف بليبيا، وأحببتُ أن أعيد نشر هذه التدوينة لأهميتها، ولمعرفة ما كان يحصل في الكواليس حين انتخب الليبيون مؤتمرهم الوطني بفرح غامر، وشكل هذا المؤتمر حكومته الأولى، وعاد الناخبون إلى أرائكهم ومناديرهم للتفرج في التلفزيون على مشاهد بناء دولتهم التي انتهت وللأسف بنهر من الدم والخوف والعنف، أسس له المؤتمر الوطني، سيء الصيت، وحكومته التي تفضح هذه التدوينة مدى فسادها ومدى انفصالها عن أحلام الليبيين، وحين انتفض الليبيون لإنهاء المؤتمر الوطني الذي مدد لنفسه، أحيَا بعض أعضائه المتشبثين بالسلطة رميمهم من جديد فيما يسمى بمجلس الدولة الاستشاري الأعلى ليكملوا مشروعهم في تخريب ليبيا وإطالة مدى أزمتها الخانقة.
تدوينة د. فاطمة الحمروش، وزير الصحة السابقة في حكومة الكيب (2 أكتوبر 2012):
“ذهبت اليوم إلى اجتماع مجلس الوزراء لطرح المشكلة التي نواجهها في الوزارة من العصابات التي كانت تدير هيئة الجرحى ولا تزال طامعة في استمرار نزيف ملف الجرحى.
وصلت متأخرة نصف ساعة، فوجدتهم قد بدءوا، كان الرئيس يترأس الجلسة، الحضور كانوا في البداية ١١ من بينهم خمسة وزراء والبقية وكلاء، بالإضافة إلى النائب الثالث للرئيس وأمين السر.
وصل دوري وكان العرض طلب علاوة تمييز للعاملين في مركز الدرن.
استمع الكيب للعرض ثم بدأ الحديث بقوله متهكما: أرحب بمعالي وزيرة الصحة لتشريفنا بحضورها اليوم لاجتماع مجلس الوزراء، ثم أضاف أنه لا يريد أن يعتبر ما سيقوله رفضا لعرض من وزير بعينه ولكنه يرى أن هذه العلاوة لا يجب أن تمنح لفئة دون غيرها بل تصاغ من وزارة العمل لفئات عدة وتعمم.
وافقه عدد من الوزراء بمن فيهم وزير الشؤون الاجتماعية، بينما وزير الصناعة رأى أنه لا داعي لأي علاوات تمييز بل زيادة المرتبات فقط وللجميع، والعام القادم مع الميزانية الجديدة!!!!.
بعد حوالي ساعتين من بدء الاجتماع دخل السيد فوزي عبد العال، وزير الداخلية، فقام الكيب بقطع جدول العمل بتحيته وبمنحه فرصة الحديث مباشرةً شارحا هذا بقوله بأن معالي الوزير لديه مشاغل أخرى هامة، وعلى عجالة!.
استغربت جداً كيف تغير الحال معه اليوم وقد كان بلسانه يتهمه على غيابه لأشهر طوال عن الاجتماعات بقوله بأن غيابه أو حضوره كانا سيان.
على أي حال، بدأ السيد وزير الداخلية حديثه معبرا عن قلقه على أسر أزلام النظام المتواجدين في مصر وفي تونس، ومعبرا عن أسفه تجاه الحال الذي وصلوا إليه من الفقر إلى درجة اضطرار نسائهم إلى بيع شرفهن لسد حاجاتهم وحاجات أسرهن اليومية.
حقيقةً استأت جداً من هذا التعبير، إذ رأيت فيه ظلماً وإجحافاً بحق نساء هؤلاء وبشرفهن وشرفهم.
حسب ما أرى، إن ما قاله السيد وزير الداخلية مسيء لهن أيما إساءة، ولا أوافقه على ما قال، نعم قد يكونون من ألد أعداء الثورة والثوار، إلا أن هذا لا يعني أن نسائهم يرضين هذا لأنفسهن، أو أنهن يسترخصن أعراضهنّ. إن كُنَّ شريفات، سيبقين كذلك مهما حصل، وإن لم يكُنَّ، فهن كذلك حتى ولو كُنَّ في ليبيا، أو لديهن مال قارون.
آلمني أن أسمع من وزير الداخلية مستخدما هذا العذر لإرجاع أسر من كانوا موالين للقذافي.
عموما، طلب السيد السماح لهذه الأسر بالعودة وتوفير الحماية لها حين تعود.
فردّ عليه أحد الوزراء قائلا: “نحن ينقصنا الأمن بسبب تواجد بعض الأزلام بالداخل وليس لدينا وسيلة للسيطرة عليهم وفرض الأمن، فما بالك إذا رجعت كل هذه الأعداد؟ لا أتصور أن أحدا سيمكنه أن يوفر لهم الحماية، بل أخشى أن يصبحوا هم سببا في المزيد من الفوضى”.
ورغم ما في التعليق من غرابة، إلا أني لم أملك سوى أن أشعر بالاستغراب من طرح هذا الموضوع من الأساس كأولوية لدى وزير الداخلية، بينما وزارة الصحة لا تزال مغلقة من قبل مجموعات مجرمة تحمل السلاح وتبث الرعب في قلوب الموظفين ولم يصدر منه أي إجراء بالخصوص.
وشاءت الصدف أيضاً أن تصلني رسالة نصية على هاتفي من سكرتير مكتبي ليعلمني بأنه محتجز في مكتبه من قبل مسلحين.
فما كان مني إلا أن طلبت الإذن بالكلام، وحين جاء دوري قلت لهم بأني أتساءل هل لا يعلمون بأن وزارتي أغلقت لثمانية أيام، وبأنها حتى بعد أن تم السماح لموظفيها بالدخول إلى مكاتبهم، لم يتمكنوا من العمل بسبب أعداد الجرحى الوافدين عليها وانعدام الأمن بها!
كان رد وزرير الداخلية كالتالي:
“سمعت تصريحك الصحفي، وقد بحثت في هاتفي، لم أجد أي مكالمة لم يرد عليها منكِ”
أنا: “لقد اتصلت بك، وراسلتك، واتصلت بوكيلك، وراسلت اللجنة الأمنية العليا وحتى الرئاسة والدفاع والأركان، ولم يحصل أي رد، بل راسلت حتى المؤتمر الوطني العام!
ومادمت على علم، فكيف لم تتدخل؟ وزارة الصحة تظل مقفلة طوال هذه المدة وموظفوها وأنا تحت التهديد ولا نجد حماية، بل أكتشف أن اللجنة الأمنية العليا قد ثبّتت من شكوت منهم منذ شهرين باعتبارهم هم من يقومون بخطف موظفي الوزارة وإثارة الفوضى بها!!!”
وزير الداخلية: “ماذا تريديننا أن نفعل لك؟ حين نثبت من يحرس الوزارة تشتكين وحين لا نبعث لك أحدا، تشتكين أيضاً، ثم ما هو المطلوب منا؟ هجوم على الجرحى؟ لماذا لا ترسليهم للخارج؟ وماذا سيحدث لو بعثرت بضعة مليارات؟ مثلها مثل ما ضاع في السابق!!! أريد أن أعرف لماذا لا يزال هناك جرحى لم ينته علاجهم بعد!!”.
هنا رد وزير الصناعة، السيد محمود الفطيسي، بقوله: “أنا أيضاً لدي نفس المشكلة من نفس الشخص الذي ذكرته الوزيرة، وقد قدمت لك شكوى مماثلة بالاسم ولكن لم أتلقَ ردا منك ولا يزال نفس الرجل وكتيبته يثيرون الفزع في الوزارة. “
الكيب: “نعم، لماذا لا يزال هناك جرحى لم ينته علاجهم بعد؟ هذا أمر غير مقبول ولا يجب أن يستمر، ثم هذه التصريحات التي ترد منك، مثل قولك بأني تحت الضغط فرضت إرسال جرحى إلى إيطاليا، لم يكن هناك ضغط، عليك الدقة في التصريحات التي تأتين بها، الذي بعثناه جريح في حالة خطرة، طلبت من قريب لي أن يساعده لنقله إلى المستشفى، ثم تم نقله للخارج لإنقاذه”.
رددت عليه: “ما ورد مني كان صحيحاً، ويبدو أنك لم تستلم ردي عليك بالخصوص، يمكننى أن أوضح لك هنا.”
(كان هذا الجريح الذي ذكره لا يستحق العلاج بالخارج ولكن الكيب كلّف أخاه للتدخل ثم فرض إرساله بطائرة خاصة لإيطاليا وكلف الدولة الليبية 20000 يورو، وخرج من الطائرة على رجليه ولم يكن بحالة خطرة كما أراد أن يصوّره).
الكيب، مقاطعا إياي: “لا أريد إيضاحا، عموما، ما دامت أمور الجرحى قد تمت السيطرة عليها وانتهت مشاكلنا بخصوصهم (بتهكم)، لنتباحث في المشاكل الأخرى التي لم تحل بعد”.
ثم بدأ في الحديث عن أمور أخرى بدون أدنى إشارة إلى الوضع المزري الذي تمر به الوزارة!!”.
ولا تعليق.