حكومة الدبيبة.. مصير متأرجح وخيارات مفتوحة
أثارت ملفات الفساد الحكومية التي طالت وزراء ووكلاء وموظفين حكوميين في المؤسسات والشركات العامة، تساؤلات حول ترتيب أولويات الحكومة والقدرة على الأداء، بعد أن بدأت الحكومة مهامها بتسجيل إنفاق حكومي قياسي ناهز 86 مليار دينار ليبي دون اعتماد الموازنة بشكل رسمي، مع رصد ما يفوق 17 مليار دينار لمشاريع التنمية التي ظلت حبيسة الأدراج والتسويق الشعبوي دون أن تجد طريقها للتنفيذ.
مسلسل الفساد الحكومي بدأ مع تسريبات عن تقارير صادمة لديوان المحاسبة الذي يتولى متابعة التعاقدات والأداءات المالية للمؤسسات الحكومية، تلتها تحقيقات تولاها مكتب النائب العام أدت لحبس وزراء احتياطياً على ذمة التحقيق، بعد ثبوت التهم الموجهة لهم والتي تتمحور حول الفساد المالي والتكسب من الوظيفة العامة واستغلال النفوذ، وإجراء تعاقدات بالمخالفة للتشريعات النافذة.
ملف ثقيل بدأ بحبس وزير التربية والتعليم موسى المقريف منتصف ديسمبر الماضي، إثر تداعيات أزمة الكتاب المدرسي، تبعها وفي أقل من أسبوع إيقاف النائب العام لوزيرة الثقافة والتنمية المعرفية مبروكة توغي عثمان على ذمة التحقيق في وقائع فساد شملت تعاقدات صيانة مشبوهة، ليشهد الأمر اتّساعاً بحبس وزير الصحة علي الزناتي ووكيله سمير كوكو، المتهمين بالضلوع في فساد مالي مع تسريبات تتحدث عن ملاحقات قد تشمل وزراء وأسماء حكومية بارزة، يعززها الفشل في إدارة ملفات حساسة وغياب المنجز التنموي للحكومة، رغم تسييل الموازنة بالمخالفة للقانون المالي للدولة.
وتواجه الحكومة أزمة دستورية تتعلق بشرعيتها التي حددت في اتفاق جنيف بإنجاز الاستحقاق الانتخابي الذي تعثر في 24 ديسمبر، ليشرع مجلس النواب في جهود تكليف حكومة جديدة يصعب التكهن بأسمائها، في ظل اعتماد مجلس النواب لشروط محددة للمترشحين لرئاسة المنصب أهمها سحب الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي فاتورة باهظة قد لا يلجأ الدبيبة لدفعها خاصة مع استباقه للمشاورات البرلمانية بالتأكيد على عدم نيته تسليم الحكومة إلا لحكومة شرعية منتخبة.
خيارات محدودة للحكومة الحالية ولمجلس النواب الذي سبق له سحب الثقة عن الحكومة، في خطوة كانت في حينها محدودة الأثر إلا أن القراءات الأولية تدل على الاتجاه لتكرار سيناريو الانقسام المؤسساتي كردّة فعل لأي قرار برلماني، باستحداث حكومة جديدة، وهي قراءة تدعمها العلاقة التي بدت وطيدة بين الدبيبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير الذي تؤكد مصادر 218 عن نيتهما الاجتماع الأسبوع المقبل للتوافق على موازنة العام الحالي، والتي يتوقع أن تتجاوز عتبة 125 مليار دينار مدفوعة بتغطية القرارات الشعبوية المتعلقة باعتماد زيادات القطاع العام وعلاوة الأبناء، دون أي اختراق يُذكر في الملف الاقتصادي المثقل بتشوهات هيكلية.
ضمان التغطية المالية من المصرف المركزي لا تُعد الورقة الوحيدة الداعمة للدبيبة الذي يُعوّل كذلك على الثقل الدولي الداعم لاستمرار حكومته، وعلى رأسها موقف المملكة المتحدة التي أعربت علناً عبر سفيرتها كارولاين هرندل عن دعمها العلني لاستمرار الحكومة، وهو موقف يتناغم مع موقف أطراف دولية أخرى وسط تأكيد أممي على التركيز على الزخم الانتخابي، في إطار خارطة الطريق التي تضمن الانتقال السياسي في غضون 18 شهراً، وهو إطار زمني تسعى الأطراف الدولية لترجمته عبر تحديد إلزامي لموعد انتخابي جديد بعيداً عن الصراعات الداخلية المتعلقة بتغيير الحكومة، التي باتت وفق المستشارة الأممية ستيفاني وليامز طرفاً في العملية السياسية المعنية بتحديد موعد الانتخابات والدفع بالمسار السياسي رفقة أطراف داخلية أخرى.
إكراهات سياسية قد تدفع مجلس النواب باتجاه التعديل الحكومي الذي يحافظ على استمرار الدبيبة على رأس الحكومة، مع إدخال تعديلات محدودة قد تشمل تقليص الوزرات وإبعاد الأسماء المحاطة بشبهات فساد، إلا أنه يظل خياراً تهدده التوافقات التي طفت مؤخراً على الساحة السياسية والتي تهدد الحكومة الحالية في مركز قوتها بالعاصمة طرابلس، مع إعلان المرشح فتحي باشاغا معاداته للحكومة التي اتهمها بالفساد في سياق تبريره لاجتماع بنغازي الذي جمعه مع مرشحين آخرين.
سيناريوهات تعززها حالة الانسداد السياسي التي تسيطر على المشهد مع تضارب الخيارات المتعلقة بالإطار القانوني لإجراء الانتخابات، بعد تشكيل لجنة برلمانية وانقسام مجلس النواب على نفسه فيما يتعلق بإعادة إحياء مسودة الدستور المعتمدة من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أو التوافق على موعد جديد بناءً على خارطة الطريق الأممية المعتمد في ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف.
ويرى مراقبون أنه ومن خلال المراحل الانتقالية المتتالية التي ميزت مسارات الأزمة الليبية، فإن كل الخيارات تظل مفتوحة مع ابتعاد النخبة السياسية الليبية عن الإجماع المتعلق بإجراء الانتخابات إلى الصراع المتعلق بإعادة إنتاج الأجسام الحالية، وتوسيع دائرة المكاسب الفئوية المبنية على التوازنات بين الأطراف الفاعلة بسياقاتها الأمنية والعسكرية والمالية، وهي خيارات ستلقى دعماً من المجتمع الدولي المنقسم على نفسه في الملف الليبي.