حكومة الأبارتيد في طرابلس “مرحبا في جهنم”
سالم العوكلي
بغض النظر عن معاناة الليبيين وكل الأزمات المحلية، تبرز في طرابلس وبعض مدن الغرب الليبي مأساة إنسانية حقيقية تتمثل في ما يحدث في مراكز اعتقال المهاجرين، وهم جلهم من الأفارقة السود، ومعظم هذه المراكز تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا، وتحت المسؤولية المباشرة لوزير الداخلية باشاغا الذي كثيرا ما يتحدث عن السلام والوئام والمدنية بينما المراكز التابعة له تحدث فيها أعتى الجرائم ضد الإنسانية، وتكفي المعاملة السيئة لعشرات الألوف من الأفارقة المساكين الذين اختاروا شواطئ غرب ليبيا للعبور إلى جنتهم الموعودة، تكفي لإسقاط الشرعية عن أي حكومة في الدنيا، ما بالك حكومة غير شرعية من الأساس وفق القانون والدستور الليبي وفخرها الوحيد أنها معترف بها من المجتمع الدولي الذي تعتبر بعض دوله الفاعلة شريكا في هذه الجرائم، فما يحدث في هذه المراكز أو المعتقلات لا يقل عما حدث في المعتقلات النازية، وأكثر فداحة مما كان يحدث للسود تحت سلطة الأبارتيد، والتي كانت تحكمها حكومة شرعية معترف بها دوليا، ولكن حين اطلع العالم على جرائمها العنصرية ضد السود سحب اعترافه بها وعزلها عن العالم، وما فعلته لا يعادل الواحد من الألف مما يحدث في ظل ما تسمى حكومة الوفاق وفي المراكز الحكومية التي تحت مظلة وزارة الداخلية، وبعلمها، وبمشاركة البعض من أعضائها وأعضاء ما يسمى مجلس الدولة الاستشاري في صفقات سوق النخاسة المعلنة على طول هذه الشواطئ.
وسأجرد بعض الاقتباسات من منظمات عالمية مختصة بشؤون الهجرة، وبعض وسائل الإعلام ذات المصداقية، وشهادات لناجين من هذا الجحيم الذي يديره المجلس الرئاسي، ومجلس الدولة، وبعض الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون، بتمويل من دول أوربية. وكل هذه المعلومات موجودة على موقع قناة دوتش فيله الألمانية الناطقة بالعربي:
يرد في دراسة عن اللاجئين في ليبيا أجرتها “لجنة النساء اللاجئات” (Women´s Refugee Commission). تتضمن مقابلات مع ناجيات وصلن إيطاليا، ومع مساعدين يعملون على قوارب الإنقاذ: “في رحلتهم عبر الصحراء، يتم اختطاف العديد من اللاجئين من قبل تجار البشر والجماعات المسلحة أو نقلهم إلى مراكز اعتقال رسمية”.
وهذا ما تؤكده مؤلفة الدراسة ساره شينوويث في مقابلة مع DW. إذا تقول: إن العنف شائع في تلك المعسكرات، بما في ذلك التعذيب الجنسي، وتضيف: “يتم تصويره للضغط على العائلات لإرسال الأموال للإفراج عن أقربائهم، وأولئك الذين لا يستطيعون الدفع يتم بيعهم أو قتلهم”.
يُستخدم العنف الجنسي لأسباب مختلفة، وفقًا لتقرير منظمة “لجنة النساء اللاجئات”، فبالإضافة إلى الابتزاز، فإن الانتهاكات تعتبر أيضا تسلية للحراس ومعاقبة وقتلا لأشخاص، ينظر إليهم على أنهم بلا قيمة.
تقول شينوويث: “عندما يحاول رجل الفرار، يُجبَر جميعُ الرجال الآخرين على اغتصابه، وكذا تتم معاقبة الناس بانتظام، ويجبرون على الخضوع ويجري التحكم بهم”. وتضيف: “يتم إجبار الرجال والنساء على اغتصاب آخرين، وتقطع أعضاء الرجال التناسلية، ويجري إيذاء النساء واغتصابهن حتى ينزفن ويموتن. ويدفع الفتيان دفعا إلى اغتصاب أخواتهم”. ويقول أحد الناجين من غامبيا: “لو كان أحد أخبرني بذلك من قبل، لما صدقته أبدًا، فالإنسان يصدق فقط عندما يرى بعينيه”.. تتنهد تشينوويث وتقول: “عناصر الميليشيات الليبية هذه لا يرون اللاجئين كبشر، بل يرون فيهم علامات الدولار وسلع يجب استغلالها”.
كارل كوب من منظمة برو أزول ، المدافعة عن حقوق الإنسان ، يشير إلى أنه، رغم أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة ليست جديدة، إلا أن الحجم والتفاصيل مرعبة: “إن خفر السواحل الليبي يعترض اللاجئين ويعيدهم إلى معسكرات التعذيب. ولأن أرباح المهربين انخفضت، فإنهم يستخدمون التعذيب لتوليد أرباح جديدة. “لقد شهدنا أحداثًا مماثلة في سيناء، حيث تم ابتزاز عائلات نساء من إريتريا”. غير أن المعسكرات في ليبيا “هي معسكراتنا، معسكرات ممولة أوروبيا لحكومات معترف بها، حيث تقع أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان”. يتم ذلك باسم أوروبا ويشكل جزءًا من الاتفاقيات المبرمة مع ليبيا التي تعيش حربا أهلية”.
هناك نظامان للمعسكرات، يقول كوب: “المعسكرات الرسمية لحكومة الوفاق الليبية، حيث وقعت العديد من الفظائع “بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الأوروبي”، وكذلك معسكرات الاعتقال غير الرسمية.
يتكون خفر السواحل، المسؤول عن المعسكرات الرسمية، من جهاديين وعناصر ميليشيات ومهربي بشر وأحيانًا من المتاجرين بالبشر، كما وثقت تقارير الأمم المتحدة بالفعل. وعلى الأقل يأتي جزء من خفر السواحل من مجال الاتجار بالبشر أو يواصل في الوقت نفسه العمل في هذا المجال”. ويضيف كوب”العنف الجنسي في معسكرات الاعتقال الليبية هو مجرد قمة جبل الجليد، فالظروف المعيشية في المعسكرات كارثية. وبسبب اكتظاظها يتضور الناس جوعًا، وتقع كل امرأة تقريبًا ضحية لاعتداءات جنسية”.
تشير تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن معدل وفيات المهاجرين قد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا في عام 2019 مقارنة بالعام السابق له، وفي السنوات الخمس الماضية غرق حوالي 17 ألف شخص.
وترى مؤلفة الدراسة تشينوويث أن هناك افتقارًا إلى الإرادة السياسية: “الاتحاد الأوروبي يدعم خفر السواحل الليبي، الذي لا يهتم بسلامة المهاجرين، ويرفض إنقاذ اللاجئين الغارقين”.
أما منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) فتقول في تقريرها: “إن حكومات أوروبية متواطئة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا من خلال دعمها للسلطات هناك، والتي غالبا ما تعمل مع مهربين وتعذب لاجئين ومهاجرين”.
وقالت المنظمة إن “المهاجرين واللاجئين الذين يتم رصدهم من قبل خفر السواحل الليبي ينقلون إلى مراكز احتجاز حيث يتعرضون لمعاملة مروعة”، مضيفة أن “20 ألف شخص لا يزالون محتجزين في هذه المراكز المكتظة وغير الصالحة للاستخدام”، كما اتهمت خفر السواحل الليبي بالتورط في تجارة البشر مع خلال تعاونه مع المهربين.
يقول جون دالهويزن مدير برنامج أوروبا بمنظمة العفو الدولية إن “الحكومات الأوروبية لم تكن على علم تام فحسب بهذه الانتهاكات من خلال دعم السلطات الليبية في منع السفر بحرا والاحتفاظ بالأشخاص في ليبيا بل هي شريك في هذه الجرائم”.
أما صحيفة “أوبزيرفر” فقد نشرت تقريرا للكاتبة فرنشيسكا بانتوشي، عن أحد مراكز الاعتقال الواقع تحت سلطة الحكومة، تصف فيه أوضاع المحتجزين في مراكز الاعتقال في ليبيا: “إن المحتجزين في المركز، الواقع على طريق السكة في طرابلس، وعددهم 300 رجل، يتعرضون للتعذيب والاغتصاب وسوء المعاملة”. لافتا إلى أنه عندما دخلت بانتوشي المكان فإنها “رأت عددا من اللاجئين نائمين على فراش قذر، وكانوا مرضى دون حركة، ينتظرون الشفاء أو الموت، ورحب بها لاجئ مغربي دون ابتسامة، قائلا: “مرحبا في جهنم”. وتقول بانتوشي إن “ثلاثة من حمامات المعسكر الستة غير عاملة، ولا يستطيع المعتقلون الهرب لأنهم لا يملكون أحذية”. وتذكر الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي قدم منذ عام 2016 أكثر من 110 ملايين جنيه إسترليني لتحسين ظروف المهاجرين في ليبيا، مستدركة بأن الظروف الآن أسوأ مما كانت عليه في السابق. لأن كل الأموال المقدمة تسرق من أمراء الميليشيات ومن نافذين في الدولة”.
وتقول الكاتبة إن معسكر طريق السكة سيئ، لكن المراكز الأخرى أسوأ، لافتة إلى قول المحتجزين إن المليشيات تقوم بمداهمات ليلية إلى المعسكرات، ويجرون منها محتجزين لاستخدامهم ورقة ضغط على عائلاتهم وطلب الفدية منها. وفي التقرير يقول محمد من غانا: “لقد أخذ الجنود مالي وهاتفي ولا تعرف زوجتي إن كنت حيا أو ميتا”.
وتنقل الصحيفة عن العامل في الهلال الأحمر الليبي، أسد الجفير، قوله: “تشاهدهم (مسؤولي الأمم المتحدة) على التلفاز وهم يصرخون بأنهم لا يريدون رؤية الناس يموتون في البحر، لكن ما الفرق بين رؤيتهم يموتون في البحر وتركهم يموتون وسط الشوارع”.
حقيقة هذا نزر يسير مما يحدث تحت ظلة حكومة طرابلس، مما يشوه سمعة ليبيا والليبيين، ويجعلنا في نظر العالم وحوشا فتاكة، وستصاحبنا هذه الشبهة لفترة طويلة، فأنا أحس بخجل كبير، كلما قرأت هذه التقارير أو شاهدت شهادات الناجين، رغم أني بعيد عن هذه المراكز القذرة، لكن طرابلس ستبقى دائما جزءاً من هويتي ووجداني وسمعة كل ليبي، وبالطبع هذه ليست طرابلس التي نعرفها ولا أهلنا الطيبين في المدن الغربية، وهذا يدل على أن طرابلس والمدن الأخرى مخطوفة من وجدان وأخلاق وخجل سكانها الأصيلين لصالح تنظيم إرهابي، وجماعات مجرمة تمثلها للأسف حكومة معترف بها دوليا، وتدافع عن هؤلاء المجرمين في كل محفل وعن هذا الواقع المؤلم لأخوتنا الأفارقة الذين أصبحت لازمة ترحيبهم بكل ضيف “مرحبا في جهنم” .
لا يطمع أردوجان عبر تدخله العسكري المباشر في ليبيا في ثروة النفط أو الغاز فقط، ولكن في ثروة من مئات الألوف من الراغبين في الهجرة إلى أوروبا كي يبتز الاتحاد الأوربي بهم، مثلما ابتزه بمراكز الهجرة من السوريين الذين تحصل من خلفهم على المليارات وعلى الكثير من التنازلات السياسية حتى لا يطلقهم صوب شواطئها.