حكاية الإفراج عن المهدي العربي
حمزة جبودة
لن أتحدث عن الانتخابات الأولى في مدينة الزاوية، ولن أُزكّي أحدا على حساب الآخر، لن أكتب عن ما يعيشه مستشفى الزاوية التعليمي، ولا مصلحة الجوازات بالمدينة.. لن أتحدث عن المشاريع التي أتى بها المرشحين بانتخابات المجلس البلدي، ولن أقول أن أحدهم كان مُحرّضا أسياسيا في حرب فجر ليبيا، وأنه كان من الأسباب التي جعلت بعض شباب المدينة بالخروج منها، خوفًا على حياتهم وحياة عائلاتهم، واليوم نراه يقول أنه يريد أن يعمل لأجل مدينته.. وأن لديه مشروعا تنمويا.
عدم الحديث عن الانتخابات الأولى في مدينة الزاوية “مدينتي” وما تمرّ به مند سنوات، كان قرارا اتخدته منذ وقت، لأنني كتبت وتدخلت في فترات سابقة واتُّهِمت.. مرة بـ”العميل لحفتر” وأخرى بـ “العلماني” التابع لمحمود جبريل.. ولم تكن “الأزلام” ببعيدة عن هذه القائمة التي تطول وتحضر بمجرّد أن تقول رأيك، رأيك لا أكثر.
ولكنّ استثناءا وحيدا جعلني أفكّر في الكتابة عن مدينة الزاوية، هو ملفّ السجناء، وتحديدا، “المتهمين” بأنهم ارتكبوا جرائم في حقّ المدنيين، وبعضهم ضباط في الجيش، وآخرين بُسطاء تُهمتهم الوحيدة أنهم خرجوا مؤيدين للقذافي.
ملف السجناء، ملف ثقيل وكبير في كل ليبيا، ولأنه يستحق بأن يُفتح على مصراعيه، سيكون حديثي عن شخصية واحدة، ماتزال قابعة في السجن بمدينة الزاوية، وهي اللواء المهدي العربي عبدالحفيظ، الذي كثُر الحديث عنه منذ القبض عليه وإلى اليوم مايزال مسجونا.
أعرف يقينا أن أحدهم سيطرح تساؤلا، ما علاقة الانتخابات في مدينة الزاوية، والمهدي العربي عبدالحفيظ؟ .. سأجيب بشكل عقلاني وواضح لا لبس فيه، أنني حين شاهدت المناظرات التي نظمها نادي المناظر في الزاوية، للمرشحين للمجلس البلدي الزاوية، لم أجد فيها حديثا عن ملف السجناء، ولا حتى المصالحة الداخلية مع كل “الزاويين”، وتمنّيت أن يُفتح ها الملف لأنه يُعتبر من أكبر الملفات وأثقلها، وإن تمت معالجته بشكل عقلاني، وتصالحت مع أبناءها، ستفتح المدينة صفحة جديدة.
ملف المصالحة الداخلية أول الملفات التي كان يجب أن تُفتح، قبل البنية التحتية وقبل “دمج الثوار” و”احتوائهم”، ملف المصالحة الداخلية، سيكون أكبر إنجاز وعمل وطني يُحسب للمدينة، إن تعاملت معهُ بجدية.
أما باب “المتورطين في الدم” و”نهب المال العام” فإن أمامه القضاء، لا نتدخل فيه.. لذا وُجب التنبيه، أن حديثي هُنا ليس تدخلا في الشأن القضائي أو القانوني، إنما بدافع أراه وأؤمن به، أنني يجب أن أتحدث وأفعل شيئًا، لا لأجل أحدهم، بل لأجل مدينة اسمها الزاوية، حان الوقت لأن تبتسم لأبناءها، وتعمل لأجلهم، لا لأجل أطراف وحسابات أخرى.
والآن سأترككم مع “حكاية المهدي” والإفراج عنه!
(1)
بداية شهر سبتمبر 2011، ألقى الثوار في مدينة الزاوية على اللواء المهدي العربي عبدالحفيظ، مواليد 1942 ، والمتخرج من مدرسة الزاوية الثانوية في مدرسة الزاوية الثانوية، وبعدها من الكلية العسكرية سنة 1968 الدفعة 10.ومن ثم شغل منصب منسق القيادات الاجتماعية في مدينة الزاوية، ورئيس هيئة التدريب في وزارة الدفاع، والتي كانت تُعرف في حكم العقيد معمر القذافي بـ”اللجنة المؤقتة العامة للدفاع”، وآمرا للكلية العسكرية في العاصمة طرابلس قبل أن يصلها الثوار في العشرين من شهر أغسطس 2011.
وبعد أن ألقي القبض عليه، وسجنه في سجن جودائم، الذي كانت سرية “القبض ورد المظالم” في نهاية شهر نوفمبر 2011، هي من ترأس إدارته. تصاعدت الأخبار حول هذا الرجل “المهدي العربي” وكان أغلبها تُفيد بإطلاق سراحه وأخرى بهروبه من السجن، وكان أبرزها في الخامس عشر من شهر ديسمبر 2015، التي أفادت بهروبه من السجن، ولكنّ وقتها عملت إدارة سجن جودائم على تفنيذ الخبر، ونشرت صورة للواء المهدي العربي، وهو يمسك في يديه ورقة كُتب عليها: “الزاوية 15- 12 – 2015 المهدي العربي عبدالحفيظ”.
وفي الأول من فبراير 2016، تكرّرت الأخبار عن ذات الرجل ، ولكن هذه المرة، كانت تحكي عن إطلاق سراحه من السجن، ومن ثم في الثلاثين من أغسطس 2017، تكرر الخبر الذي “يؤكد” وقتها الإفراج عن الواء المهدي العربي، من سجن جودائم في مدينة الزاوية. وهُنا لم تنته حكاية الإفراج المتكرر والمثيرة للجدل، بحسب نشطاء حقوقيين، للمهدي العربي من السجن، لأن الأخبار على مواقع التواصل، ذكرت أيضا بأنه تم الإفراج عن اللواء المهدي العربي عبدالحفيظ، وتحديدا في السادس من سبتمبر 2017.
ولكن في بداية هذا العام 2018، كانت الأخبار عن المهدي العربي، قد أخدت منحًا آخر، يختلف تماما عن الأخبار السابقة. ففي اليوم الثامن من شهر مارس 2018، تواردت الأخبار بشكل لافت عن هذا السجين، وكانت المحكمة حاضرة على عكس الأخبار الأخرى. وهُنا يُمكننا الوقوف على مجريات ما حدث ويحدث في محاكمة أبرز الذين خرجوا ضد ثورة فبراير، ومحاولة إجهاضها مند بدايتها في فبراير 2011. والذي كان أبرزهم اللواء المهدي العربي، وعمر القانقا شقيق بلقاسم القانقا، وهذا الأخير، من مواليد 1945م، وشغل في عهد القذافي، آمراً لسلاح المدرعات في ليبيا، ويعتبر في مراحل سابقة، رجل القذافي الخاص للملفات الصعبة، ولا يخرج إلا في أوقات خاصة، ويتم تكليفه عادة في بعض القضايا التي تمسّ وتهدّد نظام العقيد. و شغل “بلقاسم القانقا” أيضا آمرا للحرس الخاص بالقذافي، ويعتبر من أهمّ رجالات معمر القذافي في الأحداث التي شهدتها مدينة درنة في 1995- 1996 ، لما كان يُمثّله هذا الرجل في المنظومة الأمنية طيلة فترة الثمانينيات والتسعينيات من حكم القذافي.
بالعودة إلى المهدي العربي عبدالحفيظ، نجد أن الأصوات التي أصبحت تُنادي بإطلاق سراحه تتصاعد وتيرتها، وتُحاول الضغط بكل الوسائل المُتاحة والممكنة في مدينة الزاوية، وكان لبعض النشطاء في المدينة مُحاولات على أرض الواقع، بعيدا عن الحراك المدني على مواقع التواصل، كان بعضها مبادرات فردية تلخّصت في زيارة السجين. ويرى البعض في أن هذا الحراك كان ردّة فعل “طبيعية” وأن المدينة يجب أن تتصالح مع أبناءها، وأن تفتح صفحة جديدة، أسوةً بالمدن والمناطق التي تصالحت مع أبناءها الذين كانوا يشغلون مناصب سياسية وعسكرية، بشرط أن لاتكون هذه الشخصيات قد تورطت في الدم أو في نهب المال العام.
(2)
كل هذا يأتي تزامنا أو عن طريق الصدفة البحثة، مع المؤتمر الجامع، الاختراع الأممي لحلّ الأزمة الليبية، الذي يهدف إلى جمع كل الليبيين بشتّى أطيافهم، والجلوس معًا تحت سقف واحد، لبحث أسباب وحلول المصالحة الوطنية وكيفية الاستفادة من التجارب السابقة، التي من أهّمها تجربة ما قبل ثورة فبراير وما بعدها، وطي صفحة الماضي، والمضي قُدمًا نحو التعايش السلمي. وأيضا مع مرحلة ما قبل الانتخابات القادمة التي من المفترض أن تكون في شهر سبتمبر القادم.
ولكن في مقابل الدعوة بطبيق العدالة، والابتعاد عن لغة الثورة وشرعيتها، تخشى بعض الأصوات المنادية بالحقوق وتطبيقها، من استغلال ملف السجناء العسكريين والسياسيين السابقين، في مدينة الزاوية وغيرها من المدن، من تبنّي أطراف متشددة وغيرها، شاركت في عمليات عسكرية تسبّبت في خراب المنطقة، لهذا الملف الدسم لاستخدامه في مراحل لاحقة، والسعي لإطلاق سراح بعضهم، وخلط الأوراق فيما بعد، لصناعة تحالفات جديدة على حساب الضحايا الذي راحوا نتيجة الخطاب العدائي والتحريضي بعد الثورة.
ولكن بعد هذه المعطيات والأحداث التي أفرزتها جماعات تبنّت “الفكر الثوري” وأثبتت فشلها أمام مشروع الدولة، بعد ثورة فبراير، وتبنّيها لغة الإقصاء “التطهير والتحرير”، يجب المجاهرة بصوت الواثق من أمره، أن مرحلة الثورة انتهت ، وأن كل من أرتكب جُرما أو قتل نفسا أو حرّض على القتل، أو سرق أموالا بعد فبراير ، عليه أن يتراجع للخلف، وأن يُعيد كل حساباته، وأن يترك القانون هو الخيار الوحيد.
عانت مدينة الزاوية، للكثير، بعد أن تمّ إقحامها في حروب خاسرة، بكل المقاييس البشرية وغيرها، وخرجت بعدها بتركة ثقيلة، تُحاول اليوم نسيانها والبحث عن بديل “مضمون”، بعد أن خسرت كل التجارب السابقة، بما فيها “تجربة الثوار” و “تجربة التحالف مع المدن” والآخرى “تجربة اللون الفكري الواحد” وإقصاء الآخرين بمُجرّد أنهم ليسوا من “فكرهم”.
وهُنا انتهى الحديث عن الزاوية، انتهى بطريقة أطمح لأن تكون بداية حقيقية للاستقرار، والعمل لأجل أجيال يفتخرون بمدينتهم، قبل كل شيء.