حكاية أطفال “ليبيين”.. مش “ثوّار”
حمزة جبودة
(1) بعد الكشف عن مصير أطفال الشرشاري، الأحد الماضي، وإعلان رئيس المباحث الجنائية بالمنطقة الغربية، علي بنيني، عن المكان الذي توجد فيه رُفات الأطفال، خرجت بعض الأصوات تُذكّرنا بما حدث لأطفال خالد الخويلدي، يوم الاثنين 20 يونيو 2011، حين قصفت قوات الناتو بيت الخويلدي الحميدي، وأدّى القصف وقتها إلى مقتل أطفال خالد الخويلدي، نجل أحد أبرز الضباط في عهد معمر القذافي. هذه الأصوات كان منها المتعاطف مع ما حدث، وآخر، يحاول أن يقول بأن ما حدث لأطفال الشرشاري، يُعتبر “عقابا من الله” على ما أقدمت عليه قوات الناتو إبان ثورة فبراير.
هُنا لستُ بصدد الدخول في جدل ومقارنة قاسية، حول ما حدث للأطفال في ليبيا بشكل عام، لأنني قرّرت قبل فترة، أن ألتزم الصمت وأن لا أقحم نفسي في قصة “الجرذان والطحالب” ومهاترات ونقاشات تنتهي عادة، بتعريف من هو الخائن ومن هو البطل، ولكن في المقابل، وجدت أن الملف الذي بصدد الحديث عنه، والهروب منه في آن، بالغ الحساسية ، ونظرا لتعامل البعض معه “من الفريقين” كأنه مكسب سياسي أو ورقة يتم استخدامها لابتزاز الخصم، يكشف عن الفراغ الذي أصبح يحتلّ البعض من جميع الأطراف في ليبيا، بعد الجفاف الوطني والعواصف التي لم تتوقف مند سنوات. ولهذا فقط، سأكتب عن أطفال الخويلدي وأطفال الشرشاري، ولنتخيّل معًا، حجم البؤس الذي وصل إلينا، وكيف أصبحنا – مجازاً – مجرد مسوخ، وقتلة مأجورين.
(2) سأصفهم بـ”الإخوة” وأقصد الذين صنعوا المقارنة “المجانية” لما حدث للأطفال، يجب أن أقول لهم، أن الأطفال لم يختاروا آباءهم ولا يعرفون عن عالمكم أيّ شيء، لم يختاروا أمّهاتهم ولا يحفظون أسماء القتلة، أو ملامحهم، لحظة الجريمة، لا يعرفون أنهم آخر الرهانات التي نُراهن عليها اليوم في ليبيا، ولا يفهمون لُغة الثورة أو الثأر “المُضحك المُبكي”. هُم أطفالكم قبل أن يكونوا أطفال ليبيا، وبإمكانكم عكس الأمر، لأننا لا نُميّز في هذه الحالات، ونعرف كيف نُفرّق بين ما حدث وبين ملف “أطفال ليبيا.
على كل من حاول أن يصطاد في الماء العكر، وتوسيع الفجوة بين الليبيين، وإقحام الأطفال في ملفاته ومكاسبه السياسية، أن يعلم بأنه أكبر المُفلسين “أخلاقيا”، وقبل كل شيء، يجب أن يتعلم، كيف يحترم خصومه، وأن يتأمّل المتغيرات في ليبيا اليوم، وقبل كل هذا، عليه أن يعلم أن خطابه “الثوري” وعالمه الخاص، الذي لم يخرج منه منذ العام 2011، قد تم بيعه في سوق خفيّ، وجلس “أعدائه” مع الذين يرى فيهم “الشرفاء” على طاولة واحدة، واقتسموا المواقف الثورية بالتساوي، وسيخرجون معًا ذات يوم، وعندها لنا حديث بالمناسبة، حول المبادئ والمواقف، حول من حاول إطفاء الغضب، وحول من رفض هيمنة الثورة، مع أنه كان معها في البدايات، وحول من قدّسها وصنع منها صنما، يعبده حين لا يجد ما يصنعه في ليبيا.
(3) بعد أن أعلن مصير، محمد وعبد الحميد وذهب، والذي كان قاسيا ومريرا على كل الليبيين فور سماعهم الخبر المُحزن، وحكاية “المقارنة” بين ما حدث لهم، وما حدث قبلها لأطفال غيرهم، حاولت البحث من جديد، عن صور أطفال خالد الخويلدي، وأن أتأمل وجوههم البريئة، وضحكاتهم التي أحببتها، وتخيّلتهم أطفالي الذين لم أنجبهم بعد، لم أفكّر يومها في أصلهم وأطفال من على وجه التحديد، حاولت أن أتأملهم من جديد، وتخيّلت لحظتها، أين كان الأطفال يلعبون، وكيف كانت لحظة الجحيم وكيف غادروا بيتهم دون رجعة.. لا أكتب هذا الكلام “تبريرا” أو بحثًا عن قارئ يتيم، في زحمة ما نعيشه من نكسات دائمة، بل فكّرت أن يُنشر باسم مستعار، حتى أتجنّب، الفريقين، والجدل الذي أعتقد أنه لن ينتهي قريبا بين الليبيين.
وأعرف أن ما كتبته في الجزء الثاني من هذه “المقالة” كان قاسيًا لدى البعض، ولكنّ يجب أن يفهم “الإخوة”، أن من يصرخ باسم الثورة، يجب أن يعرف بأنه أول الخاسرين، وأن من يدعو لوطن، لن يخسر أبدا. والحديث ليس لـ”أنصار الفاتح” فقط، بل إلى من انتمي لهم اليوم “أنصار فبراير”.
علينا تحديد الملفات التي يُمكن الحديث فيها، والمحرّمة علينا الخوض فيها ومناقشتها، علينا أن نكون أكثر وعيًا بما يحدث وحدث، وأن نفهم أن إقحام الأطفال في لعبة “قذرة” يُعتبر جريمة في حدّ ذاتها.
(4) أخيرا:
إلى قادة ليبيا اليوم، بكل أطيافهم وأفكارهم الجهوية، إلى المجلس الرئاسي الموقّر، وإلى مجلس النواب الذي يُعتبر “الجهة التشريعية” الوحيدة- كما يُقال- وإلى المجلس الأعلى للدولة- المؤتمر الوطني سابقا- ، الذي لا نعرف ما هي مهامه ولا واجباته، نشكر لكم إصدار البيانات والتعزية، ونُثمّن حرصكم على عدم تقديم الاستقالات الطوعية، وتمسّككم بالحوار الهادف الذي أدّى إلى
فراغ قاتل في ليبيا، سرق الأطفال واختطف الرجال والنساء.
وأعتذر لكل أمّ وكل أبّ في ليبيا فقد أطفاله أو أبنائه، أعتذر لأنني فتّشت عن هذه المُفردة، في بياناتكم ولم أجدها، وأشكّ في أنكم تجرؤون على كتابتها، أو حتى الخروج من بيوتكم الفارهة التي لا يصلها “الغُزاة الجُدد”، كونوا بخير، وتذكروا أننا سنكون بخير، معكم وبدونكم، لأنكم لم ولن تصنعوا الفارق.. أنتم فاشلون وعليكم الاعتراف، ولم تصلوا من سنوات إلى يقين الاستقالة.. ولن نعتذر لكم!