حزب الشماتة….
فرج الترهوني
لعلّ كثيرين في الآونة الأخيرة فوجئوا بظهور هذا الحزب وكثرة أتباعه المنتشرين على مساحة رقعة الوطن، في الوقت الذي لم تنشأ لدينا أبدا أو تزدهر ثقافة الأحزاب، بعد أن رفضها عهد المملكة، وبعد أن جرّمها نظام سبتمبر، فذهب إلى حد إزهاق أرواح من تجرّؤوا على اعتناق أي فكر مخالف، فالتهمة الجائرة بالانتماء إلى حزب ما جاهزة لإلباسها لكل معارض أو مختلف ومن ثم التنكيل بهم بدرجات مختلفة. لكن الانتماء إلى حزب الشماتة لا يتطلب موافقة من السلطة، ولا يُجرّم الانتماء إليه فهذا الفضاء المفتوح متاح للجميع، والتعبير عن الأفكار حتى وإن كان بفجاجة وعن جهل، صار سمة للفضاء السيبري.
مناسبة هذا القول هو مأ صرنا نسمعه من عبارات التشفّي والشماتة لموت شخصية معروفة ما، لمجرد أنها في الغالب تطرح رأيا تنويريا أو مخالفا للسائد، وبالأخص في القضايا العقدية والاجتماعيات والإنسانيات بصورة عامة، فالمنتمون لهذا الحزب لا يرون غير رأيهم وأسلوبهم في فهم الدين وكل القضايا الدنيوية والأخروية المختلفة، حتى لو كان هذا الفهم المختلف يتعارض بالمطلق مع المفاهيم الإنسانية البدهية التي تعارف عليها البشر، بل ويتعارض فهمهم وتعاطيهم للقضايا مع فكرة سموّ الأديان، وما تدعو إليه من اللين والتراحم وأخوّة البشر والوقوف بإجلال أمام قدسيّة الموت.
آخر حالات نشاطات هذا الحزب هي التشفي والشماتة في رحيل الكاتب والمفكر المصري، سيّد القمني، ووصفه بكل النعوت السيئة وفقا لمفاهيمهم، ليس أقلها الكفر والعلمانية. ولعل التعامل مع موت القمني لا يحظى بفرادة في هذا الهجوم اللاأخلاقي، فقد سبقته أسماء رائدة وَضعت بصمةً مهمة في ثقافة ووجدان المنطقة، بإثارة المسكوت عنه، من أمثال نوال السعداوي التي نافحت بقوة من أجل معاملة الإناث بالعدل والمساواة، ووقفت ضد رجال الدين وتدخلهم في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس، ونصر حامد أبوزيد الذي حثّ على إعمال العقل في التفكير فكان جزاؤه التكفير وتفريقه عن زوجته، والكاتب التنويري فرج فودة الذي اغتيل من قبل شخصين مغرّر بهما، اعترفا أثناء المحاكمة أنهما لم يقرآ حرفا مما كتبه المغدور، ونجيب محفوظ، وآخرون. .. هؤلاء وغيرهم الذين يخوضون حروبهم بالقلم والكلمة، ويقعون بين مطرقة المتطرفين وإرهابهم، وبين سندان قوانين عُرفت بازدراء الأديان، تفتّش دون حياء في مكنون أفئدة الناس عن القضايا الإيمانية التي يرفع لواء تفسيرها والدفاع عنها حزبُ معارضة، شعارهُ قتل المخالف وفرش الطريق إلى الله بالدم.
يَعتبرُ البعض أن القمني يُعدّ أحد أهم المحاولات الجادة والجريئة للتفكير خارج الصندوق، وله العديد من الاجتهادات التنويرية في هذا المجال، ما عرّضه الى هجمات شرسة من حراس الفكر التقليدي، وإحدى معاركه الشهيرة هي ضرورة تغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصة في السعودية، وتعرّض بسبب ذلك إلى حرب شعواء خاضها أتباع الإسلام السياسي والفكر الوهابي، ونحن على علمٍ بما يحدث الآن في السعودية التي كانت منبعا ومصدرا لكل أفكار التطرف.
قد يختلف مع بعض أفكاره أو مع أسلوب طرحه لمنهجه البحثي، وقد يرى البعض أنه كان يجب أن يكون أكثر مهادنة وحرصا في الإعلان عن آرائه الجريئة، فالتفكير خارج الصندوق أودى بحياة الكثيرين منذ زمن المعتزلة وحتى زمن الناس هذا. لكن الرجل ما انفك يحاول أن ينقل بني قومه مما يرفلون فيه من غيبوبة فكرية ونهضوية تعود جذورها إلى آراء تأسست بعد نحو قرنين من وفاة الرسول العربي، ولا تزال تحكم مناحي الحياة حتى اليوم وغدا، في مجتمعات تعيش على الماضي ولا تقبل الاختلاف أو التعددية، ولعله صدق حين قال ذات مرة إن التعددية لا يعرف العربُ عنها الكثير سوى تعدد الزوجات. فرفقا بالناس يا حزب الشماتة، وقليلا من الاحترام لجلال الموت الذي ثبت بالدليل القاطع أنه لا يستثني أحدا.