حتى عمر!
عمر أبو القاسم الككلي
دخلت عالم المراسلة عن طريق البريد في وقت مبكر من عمري. أذكر كنت في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، وأثير في سهرة عائلية، كنت حاضرها وغير مشارك فيها، أن شخصا أرسل رسالة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر يطلب فيها منه صورته، فأرسلها إليه!.
المؤكد أن الذي ذكر هذه المعلومة أخي الأكبر علي، الذي لم يكن متعلما. كان المتعلم الوحيد في الأسرة، قبلي أنا وأختي الأصغر مني مباشرة، أخي سالم، الذي يكبرني بحوالي سبع سنوات.
فقال سالم، ما معناه، وما الغريب في ذلك؟!. حتى عمر يمكنه أن يرسل رسالة يطلب فيها صورته وستصله.
التقطت أنا “حتى عمر” هذه وفرحت أني دخلت عالم حتى، وقررت إرسال رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر أطلب فيها صورته.
كان ذلك غالبا سنة 1964، وكانت آنذاك تدور حرب إعلامية ضروس بين الإعلام المصري والإعلام التونسي بسبب تصريح الرئيس التونسي الحبيب أبو رقيبة بأنه على العرب أن يرضوا بقرار هيئة الأمم المتحدة الصادر بخصوص النزاع العربي الإسرائيلي القاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين وفقا لما أسفرت عنه الحرب ميدانيا.
فكتبت رسالة قصيرة إلى الرئيس جمال عبد الناصر أويد فيها موقفه من تصريحات الرئيس التونسي! وأطلب منه إرسال صورته!.
لم أعد أذكر ما إذا كنت قد عرضت الرسالة قبل إرسالها على أخي سالم أم لا. لكن كانت المشكلة تتمثل في: كيف أحصل على عنوان الرئيس جمال عبد الناصر!!.
ضحك أخي سالم وقال: ما عليك سوى أن تكتب: الرئيس جمال عبد الناصر، الجمهورية العربية المتحدة (الاسم الرسمي لمصر حينها).
وضعت الرسالة في مكتب البريد القريب منا، وجعلت عنواني المدرسة التي كنت أدرس بها.
بعد مدة أحضر أحد المدرسين إلى الفصل رسالة عبد الناصر إليَّ وبها صورته.
استغرب مدرس الفصل وقال لي كان مفترضا أن تطلب منه أيضا صورة ابنه.
في البيت احتفظت بفرحتي إلى أن أمكن الحديث مع أخي سالم، وأخبرته بأن عبد الناصر قد رد على رسالتي.
فصحك قائلا أن عبد الناصر لم يرَ رسالتك أو يسمع بها. هو ليس “فاضيا” لمثل هذه الأشياء. الذي رد عليك مكتبه وهي رسالة نموذجية ترسل إلى أي شخص في مثل هذه الحالة.
فأحبطت إحباطا غير قليل.
بعد ذلك ولجت عالم هواة التعرف عبر المراسلة، فأخذت أنتقي أسماء فتيات من قوائم هواة المراسلة بالمجلات، وأبعث إليهن برسائل طالبا صداقتهن.
فلم يصلني رد من أي واحدة منهن.
فقلت في نفسي، لماذا تتعب نفسك يا عمر؟!. بدلا من إرسالك رسائل إلى فتيات من قوائم المراسلة، انشر اسمك بإحدى المجلات واستعد لتلقي الرسائل.
وبالفعل، عملت بهذه النصيحة الثمينة ونشرت اسمي في مجلة لبنانية فنية رائجة حينها اسمها “تي في”.
فوصلتني رسائل من العراق والبحرين وسوريا.
إلا أنه لم يكن بين مرسليها أية فتاة!.
ربما لأنني لم أنشر صورتي مع الإعلان!.
أريد أن أختم هنا بطرفة في هذا الشأن:
في أحد البرامج الإذاعية استضيفت فتاة استمرت ممارستها للمراسلة مدة طويلة. فقالت إنه ذات مرة وصلتها رسالة من شاب يقول فيها ما معناه إنه سعيد جدا بأن وجد شخصا آخر له نفس هوايته، لأنه هو أيضا هوايته، مثل هوايتها، مراسلة الفتيات فقط!.