ثروة ليبيا و«بيت مال الإخوان»
إميل أمين
غطت أخبار خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط الأيام القليلة الفائتة على ما يجري على الأرض في ليبيا، لا سيما إنزال تركيا مدرعات وأسلحة ثقيلة في طرابلس، ولا أحد يدري أين هي المراقبة الأممية أو الأوروبية لمياه المتوسط، وكيف استطاعت سفينة الأغا العثمانلي أن تصل إلى الشواطئ اللبيبة من دون أن يعترضها أحد، ما يفتح الباب واسعاً للقول إن في المشهد تواطؤاً في أضعف الأحوال، إن لم يكن مؤامرة في واقع الحال.
أحد الأسئلة التي تغيب عن ناظري الكثيرين والواجب التنبه لها: «ماذا لو تمكن الإخوان المسلمون الليبيون من السيطرة على مقدرات ليبيا النفطية وبقية ثرواتها الطبيعية؟».
الجواب يقتضي أول الأمر الإشارة إلى أبعاد الثروة الليبية الطبيعية من النفط، بخلاف الغاز، وبقية المعادن الثمينة التي تزخر بها البلاد. بداية تقدر احتياطيات النفط في ليبيا بحوالي 48 مليار برميل، وتعد الأكبر على الصعيد الأفريقي، والتاسعة على المستوى العالمي، كما تقدر احتياطيات النفط الصخري بحوالي 26 مليار برميل، في حين تشكل صادرات النفط والغاز حوالي 90 في المائة من إيرادات ليبيا.
عطفاً على ذلك، فإن المحللين المتخصصين في شؤون الطاقة حول العالم يرجحون أن تؤدي عمليات البحث والتنقيب الجديدة في ليبيا إلى تحقيق اكتشافات إضافية ترفع حصيلة الكميات الموجودة حالياً في البلاد من النفط والغاز إلى مستويات أكبر من المتصور، إضافة إلى الساحل الطويل العظيم الذي بإمكانه أن يذر ذهباً.
حديث الأرقام لا يكذب ولا يتجمل، فقد قدرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أن إيراداتها النفطية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بلغت 2.2 مليار دولار بارتفاع 381 مليون دولار، أي بنسبة 21 في المائة على أساس شهري، وتتمثل إيرادات المؤسسة في عائدات مبيعات النفط الخام، والسوائل الكربوهيدراتية، والمشتقات النفطية والبتروكيماوية، إضافة إلى الضرائب والرسوم المحصلة من عقود الامتياز.
هل يمكن للمرء أن يتصور وضع إخوان ليبيا أياديهم على هذه الأموال الطائلة، ناهيك عن احتمالات استرداد ليبيا أموالها المتراكمة في بنوك أوروبا وأميركا، وما هو رائج وشائع عن ثروات مالية ضخمة أخرى من مؤسسة الاستثمار؟
الشاهد أننا أمام مشهد كارثي ثنائي، الأول موصول بإخوان الداخل، أولئك الذين يتعجلون تدخلاً عسكرياً تركياً، لا سيما أن الاتفاق الأمني بين أنقرة وطرابلس يتيح لتركيا تدريب ميليشيات إخوانية مسلحة في غرب ليبيا، وترسيخ أقدامها في ساحة مفتوحة على التشدد والتطرف الديني، وجل هدفهم هو السيطرة الكاملة على خيرات البلاد الليبية، وساعتها لن يكون الأمر كارثياً فقط بالنسبة لليبيين، بل سيكون هولاً شديداً لبقية أرجاء العالم العربي، ذلك أن فكرة تحول ليبيا إلى بيت مال لـ«الإخوان» وفكرهم الإرهابي، يعني بصراحة ومن غير أدنى إحساس بالراحة أننا أمام خزائن الأرض للإنفاق على الإرهاب وعلى التطرف الفكري واللوجيستي، ذاك الذي لن يوفر أي دولة عربية طالما وجد من يدفع وينفق.
أما الجزء الثاني من المشهد فعلى علاقة وثيقة بتركيا التي تعيش انهياراً اقتصادياً داخلياً، ولا تجد أمامها مفراً أو مهرباً سوى اعتبار ليبيا موطئ قدم لها على ساحل المتوسط، بهدف الشراكة ولو بالقوة الجبرية في خيراته المتفجرة عبر ينابيع الغاز الحديثة.
مؤخراً أكدت مؤسسات مالية موثوقة مثل «فيتش وموديز»، أن المعجزة الاقتصادية التركية المزعومة لم تكن إلا كذبة كبرى، وأن ما جرى للاقتصاد التركي كان نتاج ديون خارجية فاقت اليوم الـ250 مليار دولار، بما يوازي ثلث الاقتصاد التركي.
واليوم تعاني تركيا من ارتفاع مؤشر الأسعار بنسبة 19.7 في المائة، كما تتألم بشدة من ارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز أقصى ذروته في 15 عاماً مضت.
لهذا، تسعى تركيا لتعزيز قبضة الإخوان على ليبيا، وتالياً تقاسم ثروات البلاد معها، والمحصلة النهائية تخليق وحش إخواني وإرهابي جديد على الأراضي الليبية.
والسؤال قبل الانصراف: «هل يقف العالم العربي أمام هذا الخطر الداهم القائم والقادم مكتوف الأيدي، أم أن المبادرة والمبادأة هي العلاج الناجع في أسرع وقت؟».