“تسلّم عليك أمي”.. ماذا بعد؟
خاص (218)
أحلام المهدي
لقد أثخنت الأزمة الاقتصادية الجِراح في الجسد الليبي، ومع ظهور أعراضٍ كثيرة لها مثل الجشع الذي أظهره بعض التُجار، إلى الاستغلال إلى الفساد الذي وجد طريقه إلى قناعات الكثيرين، نجد أن بعض عاداتنا الليبية الجميلة في طريقها إلى الاندثار، لأن أزمةً اقتصاديةً خانقة تعمل كل يوم على طمسها والقضاء عليها.
“تسلّم عليك أمي، وقالتلك اعطيني….”، قد تختلف المناطق الليبية والبيئات الاجتماعية فيها باتّساع رقعة هذا الوطن الشاسع، لكنّي لا أظن أن طفلا ليبيا لم ينطق هذه العبارة يوما، فكانت الأم الليبية تضع مكان النقط في العبارة السابقة أي شيء تحتاجه من سكر أو ملح أو خبز أحيانا، لتطلبه من جارتها مُرْفِقَةً طلبها هذا بالسّلام عليها.
وتنتشر مثل هذه الطقوس في البيئة الاجتماعية التي تطغى عليها البساطة والتداخل الأسَري، إذ كان الجميع يعيشون حالةً من التكافل الاجتماعي المبني على نوعٍ من تبادل المنفعة، فما ينقص ربّة البيت تحصل عليه من جارتها، وكذلك تفعل الجارة، ولا يكون هناك أي إلزامٍ بالرّد لأن هذه العادة بعيدة جدا عن مفهوم “الدَّين”، فهي طبعٌ اجتماعي محض رغم رائحته الاقتصادية.
وبالحديث عن الظروف الطارئة في المجتمع الليبي، من غلاء في الأسعار ونقص حادّ في السيولة النقدية قد يمتد لشهور، فإن الجارة التي اعتادت اقتسام ما لديها مع جارتها والحصول على ما ينقصها مما لديها صارت تستحي أن تطلب أي حاجة من أحد، لأنها تعرف تماما أن الجميع يعيشون تحت وطأة ذات الظروف الاقتصادية الصعبة، كذلك فإن ما لديها قد لا يحتمل أن يشاركها فيه أحد، لذلك نجد أغلب الناس وقد تقوقع على نفسه، مُكتفيا بما لديه، مُستغنيا عن الكثير الذي يعجز عن الحصول عليه، وتكاد تختفي هذه الظاهرة الجميلة التي ميّزت المجتمع الليبي طويلا، ورغم كل ذلك لازالت الجارة التي تستحي أن تطلب شيئا من جارتها، تَسْعَدُ بتقديم شيء من الطعام أو الشراب لجيرانها عن طيب خاطر، لترفقه أيضا بعبارة “تسلّم عليك أمي”.