بغداد وطرابلس بعد جغرافي وتجربة مماثلة(9)
حيدر حسين علي
من ركام بغداد ودروسها وعِبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا يزال يمر به العراق، فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناريوهين متطابقين بالمرة.
ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة، ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
الحلقة التاسعة
لا صناعة ولا هُم يحزنون!!
لا شك أن لقطاع الصناعة دور كبير في نقل أية دولة إلى مصاف الدول المتقدمة مثل ألمانيا والصين والولايات المتحدة وغيرها من الدول وهو الأمر الذي لا يبدو أنه قد خطر على بال القائمين على إدارة ليبيا والعراق بالمرة بعد أن بات كلا البلدين ساحة مفتوحة لمنتجات الدول الأخرى، ويا ليتها كانت منتجات تستحق الاستيراد بل بضائع لا أكون مبالغا إذا قلت إن ما يمثل 90% منها من أردأ الأنواع بل سأذهب أبعد وأقول إن البلدين باتا ساحة لتصريف البضائع التي لا مشتر لها ولعل ما يؤلم النفس ويوجعها أن هذه البضائع يتم دفع أثمانها من العملة الصعبة وبأسعار تفوق سعرها المنخفض جدا أصلا.
وبالعودة إلى صلب الموضوع نجد أن ليبيا والعراق يمتلكان مقومات قيام مدن صناعية كبرى لامتلاكهما الثروات النفطية والمعدنية التي تمكنهما من إنشاء المصانع العملاقة وحتى مصانع إنتاج المصانع أيضا، فكلاهما لن يحتاجا لقروض دولية لتكون رؤوس أموال لإنشاء هذه المصانع لتوفر الأموال من تصدير النفط.
وتسبب إهمال القطاع الصناعي في ليبيا والعراق في بروز مشاكل مجتمعية كثيرة أبرزها البطالة التي استشرت في صفوف القادرين على العمل ما جعلهم فريسة للجماعات المسلحة التي جنّدتهم بأبخس الأثمان لسد رمقهم أو القوى الإرهابية التي فعلت ذات الشيء وفي هؤلاء الشباب الكثير من أصحاب الحِرف والمهن والاختصاصات المدنية.
ولم يقف الحال عند البطالة بل امتد إلى التفكك الأسري إذ ارتفعت حالات الطلاق بشكل مرعب بسبب عدم قدرة الأزواج على توفير لقمة العيش للأسر، فيما عزف الكثير من الشباب عن الزواج لذات الأسباب، وهو أمر زاد من نِسب العنوسة في صفوف النساء في كلا البلدين.
ولهذا فإن حل هذه المشكلة يتم من خلال إنشاء مجلس أعلى آخر على غرار المجالس المذكورة في الحلقات السالفة باسم المجلس الأعلى لإحياء الصناعة الوطنية يضم فيه خبراء في كافة مجالات الصناعة من الليبيين والعراقيين يردفهم عرب وأجانب إن اقتضت الحاجة لذلك على أن يكلف هذا المجلس كافة جهات الدولة الساندة للحصول على معلومات وإحصاءات دقيقة جدا تتضمن حاجة كل قرية وبلدة ومدينة للمنتجات بمختلف أنواعها وكمياتها، فضلا عن دراسة حاجة الدول المجاورة وغيرها من هذه المنتجات على أن لا يتعدى وقت الحصول على هذه المعلومات 3 أشهر كحد أعلى وشهر واحد كحد أدنى.
ويصار بعد ذلك إلى البحث عن قطع الأراضي الصالحة لإنشاء المصانع التخصصية بشكل منظم غير عشوائي أي أن مصانع الغذاء والدواء تكون بمعزل عن الصناعات النفطية على سبيل المثال وهكذا دواليك بالنسبة لكافة الصناعات.
يتولى القطاع العام بمساعدة القطاع الخاص أمر إنشاء المعامل وتشغيلها وتأهيل الملاكات غير الماهرة لتلتحق فورا بهذه المصانع التي ستستوعب جل العاطلين عن العمل إن لم يكن جميعهم في كلا البلدين.
وبعد أن تبدأ البضائع المنتجة بالنزول إلى الأسواق بالكميات الكافية تشرع السلطات وعلى الفور بمنع استيراد الأجود منها أو تحميلها جمارك كبيرة ليبقى سعرها مرتفعا قياسا بالمنتج الوطني المحلي، وبهذا تدور الأموال بشكل سلس من جيوب العمال إلى المعامل مرة أخرى لأن العمال وذويهم مستهلكون وسينفقون رواتبهم لشراء حاجاتهم الضرورية من البضائع وتبقى الأموال الصعبة حكرا على البلاد ولا تغادرها، وهو ما يقود إلى إغراق السوق السوداء بها وارتفاع قيمة العملة الوطنية أمامها.
وفي المرحلة الثانية من هذا الجهد يتم التفاهم مع الدول الكبرى المنتجة للسلع العالمية مثل ألمانيا لافتتاح مصانع لإنتاج السيارات مثلا نظرا لانخفاض تكلفة الأيدي العاملة في كلا البلدين ليبيا والعراق قياسا بدول أخرى، وإلزام هذه الدول بتشغيل أكبر عدد يسمح به الحال من العمال الوطنيين مع التشديد على دفع رواتبهم بعملة الدولار الأميركي أو اليورو لضمان رفع قيمة العملة الوطنية وتجميع أكبر عدد ممكن من خزين العملة الصعبة. ووفقا لهذه الحلول سينتقل العراق ليبيا إلى مصاف الدول الصناعية والغنية بثرواتها المالية والبشرية.
وفي الحلقة المقبلة سيتم التطرق إلى سبل إحياء التجارتين الداخلية والخارجية في كلا البلدين.