بدعة العصيدة.. وخرافة أمّ بسيسي
عصام جادالله
كل عام ونحن على مشارف الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تشتعل صفحات التواصل الاجتماعي بسبب أكلة العصيدة وطقوس الاحتفال بهذه المناسبة الدينية التي اعتاد الليبيون على إحيائها عبر سنوات وعقود متتالية.
(العصيدة) والقنديل هذا ما يتضمنه شكل الاحتفال بالمولد النبوي في العقود الأخيرة عند الليبيين فمع مرور الزمن غابت الكثير من الطقوس وأصبح الاحتفال يقتصر على لمة الأطفال وخروجهم بالقناديل الجميلة المضيئة يهللون بها مع أغاني شعبية قديمة عن المولد النبوي، هذه هي أبرز أشكال الاحتفال في معظم المناطق والمدن الليبية حيث لم نعد نرى مؤخراً الخميسة الكبيرة تزين الميادين والساحات ولم نعد نشاهد مظاهر كبيرة للاحتفال، ومع هذا لايزال هذا الابتهاج البسيط يثير غضب الكثيرين ممن يرون في هذه الطقوس بدعة، وتكون العصيدة تلك الاكلة الشعبية اكثر الطقوس مثار للجدل ويتهم من يأكلها بالضلال في ذكرى مولد النبي!!!
ذلك الجدل جعل الشارع الليبي ينقسم على نفسه خلال السنوات العشر الأخيرة ما بين محتفلين يصرون على إغلاق آذانهم عن كل ما تأتي به الفتاوى العشوائية بهذا الشأن، وآخرين سائرين مع التيار الذي يراه البعض متشددا يضيق الخناق على الناس حتى في أبسط أوقات فرحهم وسعادتهم باحتفال ديني اعتادوا على إحيائه منذُ الصغر، فضلاً عن تدخل جهات رسمية لطمس هذه الاحتفالات والتدخل في خطب بعض المساجد وتوجيهها نحو تحريم ومنع أي مظاهر للاحتفال ووصف المحتفلين بالضلال والانحراف عن الدين.
ولكن إذا ما تحدثنا وركزنا أكثر على من يحرمون العصيدة ويصفونها بالبدعة في المولد النبوي الشريف، قد يتساءل البعض، هل قبل الدخول في حالة من التحريم والتكفير تمعنت هذه الفئة جيداً بالعادات والتقاليد الليبية الأصيلة وربطت ما بينها، وبين خصوصية الاحتفال بالمولد؟ فالكل يعلم أن غالبية العائلات الليبية تحتفل بقدوم المولود الجديد في الأسرة بأكلة “العصيدة” كدليل على الفرحة بقدومه، وقد تجد ممن يحرمونها هم أنفسهم قدموا العصيدة لأقاربهم وجيرانهم فرحاً بمولودهم الجديد، إذا السؤال هنا لماذا يحرمونها في المولد النبوي الشريف؟
البعض يجيب عن هذا التساؤل بأن من أفتى بتحريم العصيدة ووصفها بالبدعة في الحقيقة لم يكن ليبياً بالأساس، وإن غالبية من يعتلون المنابر في وقتنا هذا يتلقون فتاويهم من الخارج، والدليل انه لم يحدث خلال عقود كثيرة بأن تزعزعت معتقدات الليبيّين الدينية إلا مؤخراً، لهذا يجب علينا معرفة من وراء في نشر ثقافة الظلام بعيداً عن الوسطية المعروفة عن المجتمع الليبي، وهل يحق لهذه الفئه التكفير والحكم الألهي دون أي مرجعية دينية معتدلة؟
البحث عن الاجابات يحتاج الى النظر والتمعن بدقة من حولنا حتى نصل لأسباب توغل ثقافة الظلال والتكفير السوداوية الى مجتمعنا والتي ادت الى التغيرات الفكرية الحالية التي يعاني منها البعض من شركائنا في الوطن، ومن ناحية اخرى طالما أن المنابر انحرفت عن دورها التوعوي والإرشادي الديني فإننا سنعيش جدل بدعة العصيدة لسنوات قادمة متتالية، وسنظل كل عام في حوار جدلي طويل بدون نهاية كما هو الحال في “خرافة أم بسيسي” ولمن لا يعرف من هي “أم بسيسي” هي قصة من التراث والموروث الليبي القديم تدور أحداثها قبل العيد بأيّام ما بين أمّ بسيسي والفأر، والتي انتهت بأن أصبح الفأر محل ضحك أمام أصحابه في نهاية الخرافة، وهذا ما حدث أيضاً في الواقع ففي الأعوام السابقة ورغم البيانات والدعوات لإيقاف مظاهر الاحتفال فإنّ الليبيين بعد كل هذا الجدل يخرجون بأطفالهم يجوبون الشوارع معبرين عن فرحتهم الغامرة بهذه المناسبة مع انتشار طاولات الألعاب التي تنشر البهجة وتزين الطرقات بالإضافة إلى احتفالات الزوايا الصوفية المبهجة، لينتهي من بعدها موال العصيدة وخرافة أم بسيسي حتى يتجدد الموعد معها في العام المقبل.