انهيار اتفاق إنقاذ ليبيا
* ننشر هنا ترجمة خاصة لمقالة مجلة الإيكونوميست التي قدمت فيها قراءتها الخاصة لاتفاق الصخيرات والطريق المسدود الذي وصل إليه بفعل العراقيل والتطورات
خلافا للمعتاد كانت الآمال كبيرة بعد عودة فائز السراج إلى ليبيا في شهر مارس الماضي، فطوال عامين تصارعت الحكومات في الشرق والغرب حول مدى شرعية انتخابات البرلمان.
وفي ديسمبر 2015 وصل ممثلون من الجانبين إلى اتفاق دعمته الأمم المتحدة، لكن الاتفاق لم يحظ بدعم اللاعبين الأقوياء في هذه الحرب الدائرة. مكّن اتفاق الصخيرات فائز السراج الذي لم يكن معروفا في السابق، من تشكيل حكومة وفاق وطني، ومن الدخول إلى طرابلس وبدأ الأمل في مستقبل أفضل.
لكن الأمور لم تجر على هذا المنوال، فرغم مساندة ميليشيات قوية لحكومة الوفاق، إلا أنها فشلت في نيل دعم أكثر شمولية، حيث فشل البرلمان في التصديق على الحكومة وفقا لنص الاتفاق، كما حاولت بقايا من المؤتمر الوطني السابق القيام بانقلاب في الشهر الماضي.
اتفاق الصخيرات أعاد صياغة الأزمة ولم يحلّها
لم ينجح اتفاق الصخيرات في إنهاء الصراع في ليبيا، لكنه أعاد صياغته، كما يقول تقرير حديث صدر عن مجموعة الأزمة الدولية ICG ، ويضيف التقرير: كان الصراع بين برلمانين متنافسين وحكومتيهما، واليوم هو بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه.
الطرفان لديهما اعتراضات على اتفاق الصخيرات الذي ترك كثيرا من الأسئلة الأمنية بدون أجوبة، حيث يخشى البرلمان من تخطي خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني وهو أكبر مجموعة مسلحة في الشرق الليبي.
من المتوقع تزايد حدة الصراع بعد سيطرة الجنرال حفتر على منشآت وموانئ نفطية، كما تعمل الآن مليشيات أغلبها ذات توجه إسلامي في قتال الجنرال حفتر وبالأخص في بنغازي ودرنة.
ويُعتقد أن وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق تنسق الجهود مع القوى المناهضة لحفتر، لكن أغلب المليشيات الداعمة للحكومة، ومعظمها من مصراتة لا تخطط للمشاركة في هذا الصراع، فهي منشغلة حاليا بطرد تنظيم داعش من سرت.
كان المجتمع الدولي يأمل أن تعمل المعركة ضد داعش في تحقيق الوحدة بين الأطراف المتصارعة، لكن حتى المنطقة الغربية تضل منقسمة على نفسها. فعدد من القوى التي تقاتل داعش لا تعترف بحكومة الوفاق التي يرى كثير من الليبيين أنها خاضعة لمصراتة، وأنها ألعوبة في يد المجتمع الدولي، وأن الدعم الذي تحظى به غير ثابت ويعتمد على مصالح العالم الخارجي، كما أنها لا تسيطر تماما على العاصمة حيث تعمل الجماعات المسلحة خارج السيطرة. بعض هذه الجماعات غيّرت ولاءها في الشهر الماضي وشاركت في محاولة الانقلاب، ولا يزال السراج يعقد اجتماعاته في القاعدة البحرية المنيعة وليس في مكتب رئيس الوزراء.
الكثير من الدول الأجنبية التي ساندت اتفاق الصخيرات عمّقت الانقسام، حيث يشعر الليبيون أن الغرب في معرضة انشغاله بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية قد تجاهل القضايا المحلية، كما أن هناك بعض الجماعات في الغرب تسند الجنرال حفتر. يحصل الجنرال على الأسلحة ـ وربما الدعم الجوي ـ من مصر والإمارات، وعلى المشورة من روسيا. ويأمل مؤيدو الجنرال أن يقف الرئيس المنتخب، ترامب، إلى جانبهم. ورغم أن ترامب لم يذكر الكثير حول سياسته تجاه ليبيا، إلا أنه يبدي احترامه لعبد الفتاح السيسي في مصر، وهو داعم لحفتر، لمحاربته للمتشددين الإسلاميين.
من جانبه لم تقم حكومة الوفاق بالكثير لتحظى بدعم الناس، فالخدمات العامة مضطربة، والاقتصاد يعاني، والناس يصطفون ساعات عند المصارف حيث سقف السحب محدد. صرفت الحكومة نحو مليار دولار بصفة طارئة، لكنها لا تزال في انتظار ميزانية رسمية، التي لابد أن يوافق عليها البرلمان طبقا لاتفاق الصخيرات. كما يقول الصديق الكبير حاكم المصرف الركزب أن السيد السراج لا يملك خطة اقتصادية. لكن على الأقل، وبعد سيطرة الجنرال حفتر، زاد معدل تدفق النفط بصورة أكثر من الموانئ النفطية، والذي تذهب عوائده إلى المصرف المركزي.
ربما يعدُّ مصير الجنرال من أهم القضايا التي تواجهها ليبيا، فهو يحظى بشعبيه في المناطق الشرقية من الغرب الليبي، وقد يسير في خطى الرئيس السيسي الذي قضى على الإسلاميين في بلاده عندما كان جنرالا، ثم تخلى عن البذلة العسكرية ليصبح رئيسا للبلاد. والكثيرون ممن شاركوا في اتفاق الصخيرات يعتقدون أن السيد حفتر لن يلين في موقفه ولن يلقي السلاح، لكنهم مع ذلك يرون أنه من الأفضل مواصلة العمل باتفاق غير مكتمل تم التوصل إليه بعناء.
بعد خمس سنين من الفوضى يريدُ أغلب الليبيين أن يتوقف القتال، وقد طالبت مجموعة الأزمات الدولية بإجراء محادثات جديدة على أن تشمل هذه المرة أشخاصا مثل السيد حفتر، الذي بإمكانه التأثير على ما يجرى على الأرض. لكن لا يزال الغرب يتمسك بالعناد. فـ “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يصرون على أن اتفاق الصخيرات هو الخيار الوحيد، في حين يرى الباقون أنه لن ينجح، ولا يوجد إبداعٌ في مجال البحث عن الحلول للأزمة” كما يقول محمد الجارح، المستشار في مجموعة أتلانتيك كونسل.