الهجرة عبر ليبيا.. “مُجازفة نهايتها الموت”
سلط تقرير موسع أعدته صحيفة الشرق الأوسط الضوء على الهجرة غير الشرعية التي يتسلل من خلالها الأفارقة عبر دول شمال إفريقيا إلى أوروبا.
وأشار التقرير إلى وفاة العديد من هؤلاء يومياً خلال محاولاتهم تجاوز الحواجز بين الدول أو غرقا أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط، أملا في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية هرباً من عوامل الفقر والبطالة والحاجة التي يواجهونها في بلدانهم الأصلية.
وتطرق التقرير إلى ما نبهت إليه المنظمة الدولية للهجرة مؤخراً بشأن مخاطر تنامي الانتهاكات الفظيعة بحق المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط، من دون أن تحدد الجهات المعنية بهذا التنبيه نقلاً عن مختصين قولهم إن المسؤول الأول عن هذه الانتهاكات هي عصابات تهريب البشر، فضلاً عن تقاعس بعض حكومات الدول عن القيام بأدوارها لحماية هؤلاء المهاجرين.
وأضاف التقرير أن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين يبدأون رحلة برية طويلة وشاقة وخطرة من دول الكاميرون والنيجر والسنغال ودول أخرى، للوصول إلى الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، تمهيداً لعبورهم البحر ليقعوا ضحية عصابات تستولي على أموالهم وتعذبهم وتقتلهم أحياناً أو تكتفي بسرقة نقودهم وطعامهم وشرابهم ليموتوا جوعا وعطشا.
ومضى التقرير في التوضيح أن الناجين من هذه العصابات وهم قلة يتمكنون من الوصول إلى ليبيا أو الجزائر أو تونس أو المغرب أو مصر لينتهي الحال بهم على الأغلب ضحايا لأعمال أشبه بالعبودية، في ظل ظروف قاسية، إذ يتم زجهم بأعمال البناء والزراعة والأشغال الشاقة مقابل أجور قليلة لا تكفي لتوفير أدنى مستوى من المعيشة اللائقة.
وبعد وقت طويل يتمكنون من توفير المال الكافي للحصول على مكان في مركب الموت الذي لم يكن كذلك بعد أن استغفلهم قائد هذا المركب وتنقل بهم من ساحل مدينة إلى ساحل أخرى داخل البلد ذاته الذي كان يفترض بهم مغادرته إلى أوروبا.
ونقل التقرير عن سلسلة موفدي الصحيفة حصيلة انتقالهم إلى ليبيا والجزائر وتونس والمغرب ومصر ورصدهم أماكن سكن المهاجرين غير الشرعيين وظروف معيشتهم ومعاناتهم اليومية وأسباب هروبهم من بلدانهم الأم، فضلاً عن محاورة مجموعة من المختصين في مجال الهجرة غير الشرعية.
وأشار موفد الصحيفة إلى ليبيا إلى الأوضاع الإنسانية المتردية لعشرات المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا على متن سفينة تدعى “نيفين” تحمل علم بنما، قامت الشرطة التابعة لداخلية الوفاق باقتحامها قبالة ساحل مدينة مصراتة منتصف الأسبوع الماضي، وإنزال من فيها بالقوة ونقلهم إلى مركز إيواء بمنطقة الكراريم بانتظار إعادتهم إلى بلدانهم الأم.
وبحسب الموفد قامت “نيفين” بإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين قبل غرق قاربهم، وقامت بنقلهم إلى ميناء مصراتة لينزل 14 منهم طواعية، فيما استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لإجبار هؤلاء الحاملين لجنسيات السودان وجنوب السودان والصومال وباكستان وبنغلاديش وإثيوبيا على النزول من السفينة، والذهاب بهم إلى مركز الإيواء بعد فشل مفاوضات أجرتها معهم البعثة الأممية.
وكشف الموفد نقلاً عن مصدر أمني أن عدداً من المهاجرين غير الشرعيين أمضوا سنوات عدة في السجون الليبية بتهم مختلفة، بعد أن بينت التحقيقات التي أجريت معهم أن ما أجبرهم على القدوم إلى الأراضي الليبية والتعامل مع عصابات المتاجرة بالبشر فيها ودفع أموال طائلة لها هي الأوضاع الإنسانية المتردية في بلدانهم، فيما تبقى ليبيا ضحية لهذا الأمر بوصفها دولة عبور ليست معنية بأزمة الهجرة غير الشرعية.
وتابع المصدر توضيحه بالإشارة إلى العثور على جثث لبعض المهاجرين غير الشرعيين بعد غرقهم في البحر الأبيض المتوسط، فيما يموت البعض الآخر بعد هربهم من مراكز الإيواء أملاً في التخطيط مرة أخرى للهجرة من ليبيا نحو أوروبا.
ووفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة فقد وصل هذا العام أكثر من 22 ألفا من المهاجرين غير الشرعيين بحراً إلى إيطاليا، فيما لقي أكثر من 1200 حتفهم غرقاً بسبب زوارق مطاطية تحمل أكبر من حمولتها، وهو رقم أقل من نظيره خلال العام الماضي الذي بلغ أكثر من 2700 قتيل.
وبيّن الموفد ما يلاقيه المهاجرون غير الشرعيين من عناء لدخول ليبيا بعد أن حاور مهاجراً غير شرعي محتجز بمركز إيواء في مدينة جنزور، وهو الصومالي ترويجي أحمد الذي خلف وراءه أسرة كبيرة في الصومال، وأتى إلى ليبيا ليعمل فيها أملاً في جمع المال للهجرة إلى أوروبا، فيما دفع بعد ذلك أموالا طائلة لوسطاء نظير نقله عبر الحدود الليبية ومن ثم 10 آلاف دينار ليبي لوسطاء آخرين في مقابل مساعدته للوصول إلى الساحل الليبي حتى تم القبض عليه مع 10 أشخاص.
من جانبه أكد مدير إدارة الفروع بجهاز الهجرة غير الشرعية التابع لحكومة الوفاق العقيد عبد السلام عليوان في حديث للموفد أن الأوضاع المعيشية الصعبة في دول القرن الإفريقي دفعت بآلاف المهاجرين غير الشرعيين لترك دولهم؛ طمعاً في جنة أوروبية موعودة إلا أنهم يقعون ضحايا لعصابات التهريب في وقت تتضرر فيه ليبيا من موجات هؤلاء التي لا تنقطع عن التدفق.
ووصف المستشار بالأكاديمية العربية الأوروبية للدراسات الاستراتيجية محمود علي الطوير في حديثه مع الموفد ظاهرة الهجرة غير الشرعية برحلة قاتلة، الرابح فيها هي عصابات التهريب، مبيناً أن المهاجرين غير الشرعيين يصلون إلى ليبيا عبر 7 مسارات.
وأشار الطوير إلى انطلاق بعض المهاجرين غير الشرعيين من دول إفريقيا وشرق آسيا وبعض دول المغرب العربي وصولاً إلى ليبيا بشكل قانوني عبر المنافذ والمعابر الشرعية إلا أنهم يشرعون بعد ذلك في التخطيط والبحث عن طرق للعبور إلى أوروبا، مشيراً إلى أن بعضا من الشباب يدخلون إلى ليبيا عبر الصحراء وينتهي بهم الحال لدى عصابات الاتجار بالبشر، حيث بينت تحقيقات مكتب النائب العام تجميع هؤلاء في منطقة الشويرف جنوب العاصمة طرابلس ومدينة بني وليد وغيرها من المدن والبلدات “المهمشة” التي تفتقد للأمن ما تجعل العصابات تعمل فيها بحرية.
ونقل تقرير لخبراء الأمم المتحدة بشأن الأوضاع في ليبيا عن رئيس مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين بالكفرة محمد عبد الفضيل تأكيده وجود 7 مسارات للهجرة من تشاد والسودان إلى ليبيا عبر أوروبا ومصر، مبيناً أن الجماعات المسلحة تمثل جهات فاعلة في إطار شبكات تهريب البشر بوصفها الحامي لقوافل المهاجرين غير الشرعيين عبر الكفرة وتازربو وبني وليد.
وأشار عبد الفضيل إلى أن ما بين 800 و1000 مهاجر يدفعون ما مجمله نحو 5 آلاف دولار يوميا وهو ما يسهم في تأجيج الفوضى في ليبيا.