النيهوم و “الساطور”.. قصة ثابتة .. ومدارس ليبية فريدة
أكرم الزوي
في ذكرى المفكر الليبي الكبير الصادق رجب النيهوم .
الصادق النيهوم ظاهرة ليبية ومدرسة ثقافية فكرية فريدة من نوعها . قضية ثابتة لا جدال فيها .
الساطور المرحوم العزيز حسن محمود ادهيميش ظاهرة ليبية فريدة من نوعها ؛ والحق أن والده الشيخ محمود رحمه الله عالم فريد بحد ذاته بحكم تجربتي والمعرفة .
ما نوع التفرد لهذين العلمين عن بقيت الشخصيات الليبية وماذا يمكن أن نستفيد من هذه المدارس الأصيلة ؟ وما هو المطلوب وممن ؟
يوجد شخصيات ليبية ثقافية وسياسية ونضالية و اجتماعية وغيرها في الماضي والحاضر لا يمكن نكران جهودها وتضحياتها وما قدموه ؛ وطبيعي أن يتفوق شخص على آخر في مجال معين والناس درجات ومعادن والظروف لها دور في صياغة الناس .
والمعلوم أن ساحة النيهوم تختلف عن ساحة الساطور إلا أنهما في اتجاه واحد ومسار وحيد هو المسار الثقافي والنقد الايجابي المميز .
أبرز معالم التفرد لهما الإبداع الذاتي ، إبداع الأسلوب
الساطور يختصر كتب في صورة والنيهوم يرسم الصورة في سطور ، مع انجذاب وتشويق وعمق ، وهذا نادر عند المبدع . وكلهما يصور للعين والعقل صور بمعاني وخيال واسع .
التواضع للناس وكراهية الزخرفة والهرولة خلف أصحاب الأموال والسلطة والشهرة المتعجرفين .
الاستفادة من الغربة والتفاني في الشأن الليبي وتوظيف التجربة والخبرة في خدمة ليبيا بلا مقابل ولا ترشيح لمناصب وتردد على سفارات وغيرها .
المعرفة الحقيقية للواقع ومشاكله وثغراته وهموم الناس وانتقاد ايجابي صادق لا انتقاد نابع عن عقد نفسية وانبهار ومثاليات لا واقع لها في العالم .
الاستقلالية عن التيارات السياسية والدينية والتفكير والعمل بالعقل الحضاري الراقي وبأسلوب حضاري بعيد عن التعصب بكل أنواعه .
تفرد قل نظيره في المشهد العام ؛ وبحق صنعوا بداية حقيقية قابلة للتطور والانتشار وتأسيس صروح مفيدة ومؤثرة تصنع شخصيات ليبية نوعية في الثقافة و الفكر والفن والنقد الايجابي المؤدي إلي التغير والحراك السليم .
العشق الواعي المميز لبنغازي الفريدة الغالية فهما من رحيق المدينة يعشقان نسائم بحرها الساحر . وبنغازي صاغت فيهما الموهبة والتفرد أيضاً .
نستفيد الكثير حينما نعطي هذين العلمين قدرهما وقيمة لما قدموه لليبيا ؛ بغض النظر هل توافق على كل ما عندهم أم لا ، يفترض الاتفاق أن هؤلاء ثروة يجب أن لا يضيع تراثهم ويرمى في الأرشيف وزوايا المكتبات ، سوف نستفيد أولاً حس النقد والمحاولة لتأمل الحياة والقضايا ونكتسب مناعة ضد التسليم الأعمى وفكرة الإرهاب و إرهاب الفكرة والسذاجة في تصديق المعلومة وأي قضية كانت ، نستفيد مزيداً من الوفاء لهذه الشخصيات ونشجع آخرين على التقدم والتميز ، مخاطبة العقل والوجدان وتحريك المنطق والتأمل مكسب مضمون في مدرسة النيهوم والساطور وهذا عامل أساسي للعمل على إعطاء كامل الاهتمام لتراث غني وفريد قدموه بتعب وسهر وتضحيات كبيرة .
المطلوب كل شيء يمكن أن يساهم في إيصال هذه المدارس لكافة الشعب الليبي ؛ والحقيقة حظ النيهوم أكبر من العزيز حسن ادهيميش الساطور ، فقد تكفل من يخرج تراث النيهوم إلي النور في كتب ومقالات وغيره من الوسائل ؛ مع هذا لا يعد الجهد المبذول المشكور أعلى الطموحات خصوصاً في مرحلتنا الحساسة ، ولسوء الحظ إلي الآن لا يوجد أي بوادر جيدة في جمع وتدوين ونشر تراث الساطور بشكل منظم و واسع ، المطالب الأول هو المسئول الثقافي و الفكري والفني في الدولة ولكن ؛ لا حاجة لنا لضرب الأموات ، المسؤولية غير محصورة يمكن لمجموعة صغيرة من المثقفين والتجار أن يتكفلوا بأقل المطلوب بعمل مشترك جدي مدروس بخطوات فاعلة وبداية حقيقية في بناء مؤسسة ليبية مستقلة حقيقية بعقلية وأسلوب ومهنية حديثة ، تتحمل مسؤولية الحفاظ على هذا التراث وتقديمه ونشره بشكل جديد ومؤثر وبطريقة علمية واضحة .
الوفاء لأصحاب الفضل في الثقافة والفن والفكر لا يقل عن الوفاء لدماء القادة والجنود في معارك التحرر والاستقلال والعزة والشرف ؛ من مقاييس الحكم على الفرد والمجتمع مقياس الوفاء لأصحاب الفضل والتميز ومن قدم خدمة للناس بروح صادقة لا يريد مديح ولا جزاء من أحد . نتمنى أن نرى عشرات الليبيين على درب النيهوم في الكتابة والفكر والفلسفة والأدب و النقد الايجابي وعشرات الليبيين تظهر المدرسة الفنية الساطورية وترسم لوحات التقدم و الحضارة والأمل لحاضر ومستقبل ليبيا .