النص الكامل لكلمة وليامز بملتقى الحوار السياسي الليبي
ننشر لكم تالياً كلمة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز في الجلسة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس:
فخامة رئيس الجمهوريّة التونسية، الأستاذ قيس سعيّد
اسمحوا لي أن أشكر حكومات ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي لدعمهم السّخي والمتواصل.
أيّها الحضور الكريم،
أتوجّه إليكم اليوم بهذه الكلمة في لحظة تفاؤل نادرة ولكنّها حقيقيّة. فبعد سنوات متتالية من الأزمة وثمانية عشر شهرا من الحرب المدمّرة المؤسفة، أقول لكم بكلّ ثقة في النّفس بأنّ أملا جدّيا ينبثق، وأنّ فرصة تاريخيّة للحلّ في ليبيا ممكنة.
إنّ ممّا يعزّز من بوادر هذا التّفاؤل المشروط بإرادتكم، أيّها الحضور الكريم أعضاء ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ، أنّي قد قدمت لتونس من مدينة غدامس الشّاهدة على عراقة بلدكم وتاريخكم المجيد. وكما تعلمون فقد أجرينا في غدامس جولة ناجحة من المحادثات العسكريّة دعمت اتّفاق وقف إطلاق النّار الذي دخل حيّز التّنفيذ منذ أسابيع. ولقد شاءت الإرادة أن تكون غدامس التي أردنا لها أن تحتضن الملتقى الوطني الجامع، قبل أن تُقرع طبول الحرب التي أخمدت الأصوات الداعية للحوار والمصالحة، محطّة هذا النّجاح منقطع النّظير في المحادثات العسكرية. ونحن نشهد تعاونا مثمرا على هذا الصّعيد، ويمكن أن نقول أنّ تحوّل مجموعة 5 + 5 إلى مجموعة 10 ليس محض شعار ولكنّه واقع ملموس وهو أيضا طالع خير وأمل إضافيّ لملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ وللشّعب الليبي.
كما يطيب لي، أيّتها السيّدات أيّها السّادة، أن أتواجد اليوم بين هذا الجمع الكريم الذي تمّت دعوته لملتقى الحوار السياسيّ لما يمثّله من تعبير صادق عن ضمير الشّعب الليبيّ وقواه الحيّة.
لقد وقّعتم جميعًا على تعهد بعدم تقلد المناصب التنفيذية في الحكومة المقبلة. أنتم متحدون برباطكم المشترك للعمل بإخلاص من أجل إنهاء الأزمة الحالية، بروح الأخوة والتضامن.
وإنّكم تمثّلون إرادة العمل الوطنيّ المُخلص لإنهاء الأزمة في ليبيا، تجمعكم في ذلك روح الأخوّة والتّضامن والرغبة الصّادقة في تحقيق آمال الشّعب الليبيّ وطموحاته. إنّكم أمل الليبيّين في الوحدة في مواجهة محاولات التّقسيم وأملهم في الاستقرار في وجه كلّ محاولات بثّ الفتنة والفوضى.
إنّ ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ سيكون تتويجا لسنوات ثلاث من العمل الدّؤوب. وقد انطلق هذا العمل تحت إشراف الرئيس السابق لبعثة الأمم المتّحدة للدّعم في ليبيا الدكتور غسّان سلامة بمحادثات هنا في تونس بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدّولة.
ومنذ ذلك الحين قضيّنا آلاف السّاعات في محاورة الليبيّين والفاعلين الإقليميّين والدوليّين لمنع العنف والبحث عن سُبل التّهدئة.
كما أجرينا في إطار “المسار التّشاوريّ للملتقى الوطنيّ الليبيّ” عشرات الاجتماعات في كلّ ربوع ليبيا وفي جلّ مدنها وبلديّاتها.
أودّ أن أشكر الدول التي وضعت خلافاتها جانباً ودعمت الجهود الأممية المبذولة في سبيل إرساء السلام وإحلال الاستقرار في ليبيا. وقد جاء مؤتمر برلين تتويجا لتظافر هذه الجهود.
وقد تبنّى مجلس الأمن مخرجات مؤتمر برلين في قراره رقم 2510 لسنة 2020 والذي يعتبر أساس لملتقى الحوار السياسي الليبي.
إنّ البرنامج السياسيّ الوطنيّ هو ثمرة كل هذه الجهود والمشاورات. لقد سمعنا من الليبيين خلال هذه الحوارات أنّ الوضع القائم لا يمكن أن يستمر. كلّنا يعلم أنّ الليبيّين في كلّ ربوع ليبيا قد سئموا القتال والتّدمير والتّشريد المنجرّين عن الحرب.
وضاقوا ذرعا بتدهور ظروف معيشتهم وانقطاع الكهرباء والانتظار في طوابير طويلة للحصول على الوقود. كلّنا يعلم أنّ الليبيّين قد ضاق ذرعهم بويلات الانقسام التي شتت شمل العائلات وفرقت الأصدقاء. يريد الليبيّون العيش بكرامة وطمأنينة في بلدهم دون الاضطرار للسّفر للخارج لتطعيم أطفالهم، يريد المهجرون والنازحون العودة إلى وطنهم وبيوتهم، يريد الأطفال العودة إلى مدارسهم، ويريد أولئك الذين اضطرّوا ودفعوا لحمل السّلاح لتركه إلى الأبد والعودة لحياتهم الاعتياديّة.
لقد سمحت لنا مشاوراتنا الطّويلة والمتنوّعة مع الليبيّين وجهودنا السابقة إلى تحديد آمال وتوقعات الليبيين من ملتقى الحوار السياسي الليبي.
يريد الليبيون أن يضعوا حدا لحالة الاقتتال في بلد تُوحد شعبَه كلّ مقوّمات الهويّة والانتماء المشترك.
يريد الليبيون أن نخرج من هذا الحوار بمؤسسات موحدة، وأن ننهي حالة الانقسام التي أنهكت وأهدرت مؤسسات ليبيا السيادية.
يريد الليبيون أن تلعب مؤسساتهم السيادية دور الضامن لسلامتهم وأن توفرّ لهم الخدمات الأساسية والمرافق الحيوية ومقومات العيش الكريم.
يريد الليبيون انتخابات حرّة وديمقراطية تمكن الليبيات والليبيين في كل ربوع ليبيا من أن يختاروا بكل حرية ومستقبل أطفالهم.
يتشارك الليبيون في رؤية وطنية للخروج ببلادهم من الأزمة الحالية. وتمثل هذه الرؤية أساس البرنامج السياسي الوطني.
إنّ البرنامج السياسي الوطني لا يمثل أجندة مفروضة خارجيا وإنما هو هدية تقدمونها لشعبكم. يبدأ هذا البرنامج بتشكيل سلطة تنفيذيّة جديدة موحّدة تقود البلاد إلى الانتخابات ويختتم بانتخابات ديمقراطية تنهي المرحلة الانتقالية.
وبمصادقتكم على هذا البرنامج ستتمكنون جميعا من إعادة بناء الثقة بين الليبيين.
ويتمثّل الهدف الأساسيّ للبرنامج السياسي الوطني في تجديد الشرعية السياسية عبر إجراء انتخابات وطنيّة شفّافة ونزيهة وفق إطار زمني واضح متفق عليه. إذ لم يعد معقولا أو مقبولا أن يُعطّل حقّ الليبيّين في الانتخاب والتّعبير عن إرادتهم.
ولتحقيق هذا الهدف الأساسيّ، يجب إعادة هيكلة السلطة التنفيذية التي ستتحمّل مسؤولية إدارة البلاد بُغية تهيئة الظّروف الملائمة لإجراء الانتخابات.
يجب أن تتولى الحكومة الجديدة تهيئة المناخ المناسب لعقد الانتخابات ولإطلاق مسار المصالحة الوطنية ومكافحة الفساد والنّهوض بالخدمات العامّة التي تُقدّمها الحكومة لليبيّين.
يجب أن تشكل النساء جزءًا أساسيًا من هذه الحكومة، وليس بطريقة رمزية أو صورية. يجب أن تكون المرأة ممثلة في المناصب القيادية، في الوزارات السيادية وإدارات الأمن والدفاع والمالية.
وفي إطار إعادة الهيكلة، ستتمّ متابعة التقدم المحرز فيه وتقييم العمل بشكل مُنتظم وفق آليّات واضحة للمٌساءلة.
أيّها الحضور الكريم.
إنّ ما تصبون إليه في هذا الاجتماع هو اتّخاذ خطوات حازمة لا رجعة فيها نحو انتخابات شفافة ونزيهة توحّد البلاد في غضون الأشهر القادمة. أنتم هنا لإعادة ليبيا إلى بنات وأبناء الشّعب الليبيّ.
لقد وضع المجتمع الدولي، والأهم من ذلك أن الليبيين وضعوا ثقتهم بكم.
دعونا إذن لا نخيب آمالهم.
خاصة وأنه قد خاب ظنهم جراء فشل الجهود السابقة في الوصول إلى حلّ ينهي للأزمة كما خاب ظنهم من بعض الموجودين في الطبقة السياسية الذين جعلوا مصلحتهم الذاتية فوق مصلحة الوطن والذين فشلوا في إنهاء حالة الانقسام وتوحيد الصفوف.
نعم، ربّما لن يحلّ ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ كلّ مشاكل ليبيا ولكنّ الفشل في حلّ بعضها على الأقلّ قد يجعل من حلّ النّزاع المؤسف في المستقبل مستحيلا.
ينبغي أن تكون مبادئ الشمولية والشفافية والكفاءة والتعددية والوطنية وروح الزمالة بوصلتنا خلال هذا الحوار.
عليكم أن تتحاورا؛
عليكم أن تتحدوا.
عليكم أن تتصالحوا.
عليكم أن تسهموا في بناء ليبيا.
عليكم أن تتوافقوا.
علينا أن نخطو خطوة إلى الأمام.
شكرا جزيلا.