النص الكامل لإحاطة ويليامز أمام مجلس الأمن
ينشر لكم موقع “218” النص الكامل لإحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، إلى مجلس الأمن حول الأوضاع في ليبيا:
السيد الرئيس (السفير عبدو عباري، النيجر)، أصحاب الفخامة،
اسمحوا لي أن أهنئ النيجر على توليها رئاسة مجلس الأمن خلال شهر أيلول/سبتمبر، وأن أتقدم بالشكر على إتاحة الفرصة لي لتقديم إحاطتي أمام هذا المجلس اليوم.
لقد أصبح الوقوف أمامكم والتحذير من أن ليبيا تمر بمنعطف حرج تكراراً مؤسفاً، غير أنني مضطرة مع ذلك إلى أن أكرر العبارات ذاتها اليوم. إن ليبيا في منعطف حاسم فعلاً. ودعمكم، ليس بالقول فحسب، بل الأهم من ذلك بالفعل، سيساعد على تحديد ما إذا كان البلد سينزلق نحو مستويات جديدة من من التشرذم والفوضى، أو يمضي قُدماً نحو مستقبل أكثر ازدهاراً.
السيد الرئيس، أصحاب الفخامة،
على الأرض، لا تزال هناك حالة اصطفاف يشوبها الاضطراب حول سرت، مما يعُرّض حياة سكان المدينة المائة والثلاثين ألفاً للخطر، ناهيك عن البنية التحتية الحيوية للنفط في البلاد والتي تشكل شريان الحياة الاقتصادي. وفي حين ظلت الخطوط الأمامية هادئة نسبياً منذ حزيران/يونيو، فإن ”القوات المسلحة العربية الليبية“ والقوات الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق الوطني لا تزال تستفيد من المساعدة المؤسفة التي تقدمها الجهات الخارجية الراعية لتخزين الأسلحة والمعدات المتطورة.
ومنذ آخر إحاطة قدّمها الأمين العام لكم في 8 تموز/يوليو، هبطت نحو 70 رحلة إمداد في المطارات الشرقية دعماً “للقوات المسلحة العربية الليبية” في حين تم إرسال 30 رحلة إمداد إلى مطارات في غرب ليبيا دعماً لحكومة الوفاق الوطني. وعلى غرار ذلك، رست حوالي تسع سفن شحن في الموانئ الغربية دعماً لحكومة الوفاق الوطني، فيما أفادت التقارير بوصول ثلاث سفن شحن دعماً للقوات المسلحة العربية الليبية. وتقوم الجهات الخارجية الراعية بتحصين أصولها في القواعد الجوية الليبية الرئيسية في الشرق والغرب. وكل ما ذُكر آنفاً من نشاط يُشكل خرقاً خطيراً لسيادة ليبيا، وانتهاكاً صارخاً لحظر التسليح الذي فرضته الأمم المتحدة، ناهيك عن الالتزامات التي تعهد بها المشاركون في مؤتمر برلين. ولا تزال البعثة تتلقى تقارير عن وجود مرتزقة وعملاء أجانب على نطاق واسع، مما يزيد من تعقيد الديناميات المحلية وفرص التوصل إلى تسوية في المستقبل.
وفي الوقت الذي تراجع فيه معدل الحوادث من جراء المفخخات، بما في ذلك العبوات الناسفة والألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، إلّا أن التلوث بأخطار المتفجرات لا يزال يُشكل خطراً كبيراً على العديد من المجتمعات المحلية، ولاسيما في جنوب طرابلس. وحتى 24 آب/أغسطس، لقي ما مجموعه 61 شخصاً حتفهم وجُرح 113 آخرون، 107 منهم من المدنيين. وتواصل الأمم المتحدة دعم السلطات في وضع وتنفيذ استراتيجيات لضمان عودة الناس إلى ديارهم عودة آمنة وكريمة وطوعية.
تؤدي التقارير عن هجمات وشيكة، والاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي لنشر تلك الشائعات، إلى تفاقم خطر سوء التقدير. وكدليل على تزايد التقلبات، تتنامى التوترات المحلية بين المجموعات المسلحة، وآخرها في مدينتي الأصابعة وسرت والبلدات المجاورة، مع مزاعم تتم مشاطرتها على نطاق واسع مع البعثة بوقوع اعتقالات وعمليات احتجاز غير قانونية، وإساءة استخدام السلطة واستهداف المدنيين. إن هذه التطورات تجعل الحاجة إلى برنامج حقيقي لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أكثر إلحاحاً. وفي ليل 26 آب/أغسطس، أطلقت قوات المشير حفتر صواريخ غراد نحو مناطق تنشط فيها قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني وذلك بالقرب من سرت، وأفادت تقارير مماثلة بإطلاق صواريخ ليلة أمس من قبل قوات تابعة للمشير حفتر. ولم تتسبب الصواريخ في أي أضرار أو إصابات إلا أنها تشكل خرقاً لوقف إطلاق النار الذي قال المتحدث باسم المشير حفتر إنه وقّع عليه في حزيران/يونيو.
ومع جسامة الرهانات القائمة، فإن أي عمل غير محسوب من هذا القبيل قد يشعل فتيل مواجهة واسعة النطاق، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على البلاد والمنطقة برمتها. لذا يتحتم عليكم استخدام نفوذكم لإقناع جميع الأطراف بأن الوقت قد حان الآن لضبط النفس.
السيد الرئيس، أصحاب الفخامة،
يزيد تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من تفاقم حالة عدم الاستقرار، مؤججاً بذلك الاضطرابات الشعبية ومهدداً الهدوء الهش اللازم للدفع بمناقشاتنا الأمنية والسياسية قُدماً.
لقد كان للرفع الجزئي للإغلاق النفطي الذي أعلنت عنه “القوات المسلحة العربية الليبية” في 18 آب/أغسطس أثر ضئيل على أزمة الطاقة الحادة التي يواجهها البلد لأنه لا ينطبق إلا على إزالة المكثفات من المستودعات في الشرق. وفي حين سمح ذلك للمؤسسة الوطنية للنفط بمواصلة توفير الغاز الطبيعي لمحطات توليد الطاقة في المنطقة الشرقية، فإن الإغلاق يبقى، بخلاف ذلك، قائماً بشكل غير معقول، بما في ذلك الإغلاق القسري لجميع المصافي المحلية. ومع ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق الدولية، يزداد النقص المحلي في الوقود أيضاً ويؤثر سلباً على قطاعات متعددة من الاقتصاد، بما في ذلك الكهرباء. وفي عاصمة البلاد، غالباً ما تنقطع الكهرباء عن السكان طيلة عشرين ساعة في اليوم. لقد بات لزاماً علينا أن نجعل أولى أولوياتنا الرفع التام للإغلاق النفطي القائم منذ كانون الثاني/يناير.
ومما يزيد من تفاقم الأوضاع المزرية للشعب الليبي الأثر المنهك لوباء كورونا الذي يبدو أنه يخرج عن نطاق السيطرة. وقد زاد عدد الحالات المؤكدة بأكثر من الضعف في الأسبوعين الماضيين، حيث سجلت 15156 حالة إصابة و250 حالة وفاة إلى غاية 1 أيلول/سبتمبر. وتتخذ الزيادات المطردة منحىً مقلقاً مع الإبلاغ عن انتقال العدوى في أوساط المجتمعات المحلية في بعض المدن الرئيسية في ليبيا، بما في ذلك طرابلس وسبها. ومع ذلك، فإننا ننظر إلى المشكلة بصورة محدودة للغاية، حيث إن النقص المستمر في قدرات الاختبار ومرافق الرعاية الصحية الكافية وتتبع المخالطين يعني أن النطاق الحقيقي للوباء في ليبيا من المُرجح أن يكون أعلى بكثير. ومما يعيق التصدي للوباء تشظي مؤسسات القطاع الصحي والنقص الشديد في الإمدادات الطبية والعاملين الصحيين فضلاً عن نقص التمويل. إن نظام الرعاية الصحية، الذي كان على حافة الانهيار التام بعد أكثر من تسع سنوات من النزاع، غير قادر على الاستجابة للعبء الإضافي الذي يلقيه عليه مرضى كورونا إلى جانب الحفاظ على الخدمات الصحية العادية، بما في ذلك برامج تطعيم الأطفال. والأمم المتحدة وشركاؤها في طليعة الداعمين للسلطات الوطنية، من خلال توفير الإمدادات الصحية ومعدات الحماية الشخصية. كما نعمل بشكل وثيق مع السلطات لبناء قدرات العاملين في المجال الصحي لإزالة وصمة الفيروس وزيادة الوعي لضمان اتخاذ عامة الناس الاحتياطات المناسبة لحماية أنفسهم. ومن الضروري أن تتعاون السلطات الليبية بشفافية في كفاحنا المشترك للسيطرة على هذه الآفة المريعة.
السيد الرئيس، أصحاب الفخامة،
لا يزال إيصال المساعدات الإنسانية، وتزايد صعوبة ذلك بسبب تدابير التقييد للحد من انتشار فيروس كورونا، يمثل تحدياً مستمراً في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من هذه التحديات، فقد تمكنت المنظمات الإنسانية من إيصال المساعدات إلى أكثر من 243000 شخص منذ بداية هذا العام. ويشمل ذلك دعم 66000 نازح و119000 شخص من الليبيين والفئات المستضعفة والمتضررين من النزاع والعائدين حديثاً و58000 مهاجر ولاجئ.
وما يزال التأثير الاجتماعي-الاقتصادي لجائحة كورونا، إلى جانب استطالة أمد الأزمة وتدهور الخدمات العامة، يتسبب في إجهاد قدرات التأقلم لدى أولئك الذين يعيشون ظروفاً شديدة الهشاشة، لا سيما أكثر من مليون شخص يُقدّر أنهم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في عام 2020. وبينما انخفضت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لا تزال أعلى من مستوياتها ما قبل جائحة كورونا. وما تزال البطالة وعدم التمكن من سبل العيش، ولا سيما بين المهاجرين والنساء، وراء تزايد تعرض الناس للأذى ويتواصل تأثيرها على الأمن الغذائي وإمكانية الحصول على الخدمات العامة.
ولا يزال القلق يساورني إزاء استمرار محاولات المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء عبور البحر الأبيض المتوسط، معرضين بذلك حياتهم لخطر كبير. ويعتريني حزن عميق لمقتل 45 مهاجراً ولاجئاً في حادث انفرادي وقع مؤخراً في 18 آب/ أغسطس عندما غرق قاربهم قبالة الساحل الليبي أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا. وقد حاول أكثر من 7000 مهاجر ولاجئ العبور هذا العام؛ توفي أكثر من 300 منهم. وتؤكد التقارير التي تفيد التأخر في عمليات الإنقاذ والإنزال الحاجة إلى مراجعة نهج الدول الأوروبية إزاء هذا الوضع وإلى آلية إنزال أكثر إنسانية وأكثر استقراراً بما يتماشى مع المسؤوليات المنوطة بالدول الأعضاء بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان فضلاً عن التزامات البحث والإنقاذ. ومن غير الممكن اعتبار ليبيا ميناءً آمناً للإنزال حيث أُعيد العديد من المهاجرين واللاجئين الذين تم اعتراضهم في البحر إلى ليبيا ووضعوا قيد الاحتجاز. فحتى 21 آب/ أغسطس، كان هناك ما يقرب من 2400 مهاجر ولاجئ في مراكز احتجاز رسمية في ليبيا حيث يتعرضون بشكل يومي لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وهناك عدد أكبر منهم في مواقع غير رسمية لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليها. وما فتئتُ أحث السلطات على اتخاذ خطوات أكبر ضد المهربين والمُتاجِرين وإيجاد بدائل للاحتجاز في ليبيا.
وتُرحب البعثة بقيام المفوضة السامية لحقوق الإنسان بتعيين الأعضاء الثلاثة في بعثة تقصي الحقائق المستقلة المعنية بليبيا. ونحن نتطلع إلى التعاون معهم ومساعدتهم في أداء مهامهم لتوثيق انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني منذ عام 2016، ومعالجة الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات، وأن تُمثل رادعا لهذه الانتهاكات. إذ لا سبيل لتحقيق السلام المستدام في ليبيا سوى من خلال العدالة والمساءلة.
أصحاب الفخامة، السيد الرئيس،
إن من شأن كل هذه العناصر إيجاد أرضية خصبة للاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء البلاد مؤكدة مرة أخرى أن الوضع الراهن ببساطة لا يمكن أن يدوم.
فعلى مدى الأيام العشرة الماضية، خرج الليبيون بقوة في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في طرابلس، للتعبير عن غضبهم حيال نقص الخدمات الأساسية والانقطاع المستمر للمياه والكهرباء واستشراء الفساد.
وقد أبلغت شخصياً السلطات الليبية بمخاوف الأمم المتحدة إزاء تقارير تفيد باستخدام القوة المفرطة من قبل أفراد الأمن ضد المتظاهرين السلميين وجددت التأكيد على دعواتنا لاحترام الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير عن الرأي، وعلى وجوب إطلاق سراح أولئك الذين احتجزتهم الجماعات المسلحة بشكل تعسفي. إن تصاعد استخدام خطاب الكراهية والتحريض على العنف – التي تثيرها أحياناً وسائل الإعلام الأجنبية والجيوش الإلكترونية – إنما تهدف الى تعميق انقسام الليبيين وزيادة الاستقطاب وتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد على حساب الحل الليبي – الليبي.
وفي 29 آب/ أغسطس تحوّل الوضع إلى أزمة سياسية مفتوحة عندما أقدم رئيس الوزراء السراج على إيقاف وزير الداخلية باشاغا عن العمل وعجّل بإجراء تعديل حكومي، مما أبرز التوترات الكامنة التي عادت إلى الظهور داخل المعسكر الغربي مع انحسار التهديد الذي شكله هجوم المشير حفتر. لقد حان الوقت لتوحيد المواقف تزامناً مع الجهود المبذولة الآن للتوصل إلى تسوية تهدف إلى الحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها بالإضافة إلى معالجة أوجه القصور الاقتصادية طويلة الأمد والحاجة إلى تنفيذ إصلاحات دائمة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح قطاع الأمن.
السيد الرئيس، أصحاب الفخامة،
من المفترض أن تُلزمنا كل هذه التوجهات المثيرة للقلق التي وصفتها الآن بممارسة الضغط من أجل خفض التصعيد على الفور والعودة إلى العملية السياسية قبل ضياع الفرصة الهشة التي أحدثها التوقف غير الرسمي للأعمال العدائية والتي ستتبدد على حساب الليبيين أولاً وقبل كل شيء، بل وأيضاً على حساب السلم والأمن الدوليين. وقد لاح بصيص أمل من داخل ليبيا حيث تعمل البعثة بدعم من لجنة المتابعة الدولية لليبيا التي أنشأها مؤتمر برلين على إنعاش بوادر الأمل هذه والاستفادة منها كمرتكز لجهودها، إذ إن تجدد النشاط السياسي في الغرب والشرق قد مكّن من ظهور فئة تدعو إلى التغيير بغية التوصل إلى حل ليبي – ليبي لاستعادة سيادة البلاد والنأي بأنفسهم عن الصراعات الإقليمية والدولية الأوسع.
وفي 21 آب/ أغسطس، أصدر رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بيانين متزامنين، وإن كانا منفصلين، يدعوان فيهما إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء حالة الإغلاق النفطي والعودة إلى العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة. وقوبلت هذه البيانات بدعم منقطع النظير من الليبيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية ومن قبل الشركاء الدوليين على حد سواء. وما زلت متفائلةً بأنه في ظل وجود العديد من أوجه التقارب بين كلا الإعلانين، فقد تكون لدينا فرصة للمضي قُدماً فيما يتعلق بالمناقشات السياسية والأمنية بين الليبيين مع الاستمرار في التواصل مع القوى السياسية والعسكرية الرئيسية الأخرى في جميع أنحاء البلاد.
لقد قمت، منذ إحاطتي الأخيرة، بعدد من زيارات العمل لتعزيز الدعم لجهود الأمم المتحدة في ليبيا، بما في ذلك زيارات قمت بها إلى الجزائر والمغرب ومصر. وفي وقت سابق من هذا اليوم، التقيت بالرئيس التونسي، قيس سعيد، للإعراب بالتحديد عن شكري للحكومة التونسية على دعمها الدؤوب لعمل الأمم المتحدة في ليبيا. ومن خلال مباحثاتي مع كل من حاورتهم من الأطراف الإقليمية والدولية، جميعهم، عملت على ضمان التزامهم بمساعدة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في مهمتنا الرامية للجمع بين الأطراف الليبية والعمل على الحفاظ على التهدئة على الأرض. فالخطر يتهدد جيران ليبيا بشكل مباشر بسبب استمرار انعدام الاستقرار وتدفق الأسلحة والمرتزقة. كما التقيت بشكل مباشر مع رئيس الوزراء، فائز السراج، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بالإضافة إلى عدد من ممثليهم وشخصيات مهمة أخرى. أود أن أشكر الحكومة السويسرية على تيسيرها الرائع لاجتماعاتنا في هذه الأوقات الصعبة. وتعمل البعثة مع الأطراف الليبية المعنية على جميع المستويات لتقديم المشورة بهدف التوصل إلى التهدئة وبناء الجسور التي من شأنها تسهيل العملية السياسية.
وفي مدينة غات، أثبت الارتفاع النسبي المسجل في نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية التي أجريت في 18 آب/ أغسطس، رغم التقييدات المتعلقة بـجائحة كورونا، تصميم الليبيين وعزمهم على ممارسة حقوقهم في انتخاب ممثليهم. لذلك ليس من المستغرب أن يسعى المفسدون إلى عمل المزيد لتخريب هذه الممارسات، مثلما حدث في مدينة تراغن في 25 آب/ أغسطس عندما أجبرت مجموعة مسلحة تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية على إيقاف عملية التصويت. لذا يتعين حماية براعم الديمقراطية هذه. وهنا أحيّي الجهود الدؤوبة التي تبذلها اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية حيث تواصل الاستعدادات للانتخابات في مجموعة جديدة من البلديات، بدءاً من بلدية مصراتة يوم غد.
على الجانب العسكري، واصلت البعثة مناقشاتها مع وفود الجانبين تحت رعاية اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، وتجاوزت مجالات التقارب التي تم تحديدها سابقاً لتعمل على مواءمتها مع المتغيرات الجديدة على أرض الواقع. وحتى اليوم، ومنذ 8 تموز/ يوليو، قمنا بعقد ثلاث جولات من المناقشات عبر الاتصال المرئي مع حكومة الوفاق الوطني وجولتين مع وفد “القوات المسلحة العربية الليبية”، وذلك في مسعى للحث على وقف التصعيد على الفور. وشجعت الجانبين على النظر في إنشاء تدريجي لمنطقة منزوعة السلاح بدءاً من سرت مدعوماً بمجموعة شاملة من تدابير بناء الثقة. ويشمل هذا المقترح أيضاً إنشاء آلية رصد مشتركة صغيرة دولية لرصد وقف إطلاق النار. وفي حين أن الاختلافات في الآراء وانعدام الثقة بين الجانبين لا تزال بارزة، فإنني أدعوكم إلى حث الأطراف على الامتناع عن الإصرار على مواقف غير واقعية ومتشددة والمشاركة بحسن نية من أجل بلدهم.
إن معالجة الدوافع الاقتصادية للنزاع هي جوهر أي أمل في التوصل إلى تسوية مستدامة. وفي سبيل إيجاد الثقة اللازمة لإجراء مناقشة صريحة ومفتوحة حول تخصيص الموارد بصورة شفافة، فقد دفعت البعثة منذ فترة طويلة باتجاه إجراء تدقيق دولي لكلا فرعي مصرف ليبيا المركزي، وذلك بناءً على طلب رئيس الوزراء، السراج، في رسالة وجهها إلى الأمين العام في تموز/يوليو 2018. ويسعدني إبلاغكم أنه وبفضل دعمكم انطلقت أعمال المراجعة المالية الدولية في الأول من آب /أغسطس وهي تمضي قدماً وبخطى متسارعة. وستؤدي هذه العملية إلى النهوض بالجهود المبذولة لتوحيد فرعي مصرف ليبيا المركزي وتعزيز المساءلة وإيجاد الشفافية اللازمة لإثراء المناقشات حول الإدارة العادلة للإيرادات.
السيد الرئيس، أصحاب السعادة،
أُذكّركم أنه قبل 16 شهراً من الآن، كنا على أعتاب عقد مؤتمر وطني ليبي واسع النطاق كان من شأنه أن يضع إطاراً لاستبدال الهياكل السياسية المنقسمة الحالية بأخرى من شأنها أن تعكس بجلاء التطلعات المشروعة لجميع الليبيين. وقد ذهب هذا الجهد أدراج الرياح بسبب أولئك الذين اعتقدوا مخطئين أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم عبر استخدام القوة. وبعد 14 شهراً من الموت والدمار بلا داع، لم ينجحوا في مسعاهم. ولم يؤد استخدام النفط كسلاح حرب إلا إلى تفاقم معاناة الشعب الليبي ودفع البلاد نحو الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. لذلك من الواضح أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو من خلال الحوار والحلول الوسط التي من شأنها أن تؤدي إلى تسوية سياسية شاملة تتوج بالانتخابات الوطنية.
شكراً لكم.