النخب المثقفة والتحول الديمقراطي في ليبيا
عمران القيب
تتصل مسألة النخب المثقفة هنا بوقائع الأحداث والتغيرات التي شهدتها ليبيا بعد (( بعد زلزال 2011)). وأعتقد جازما أنه لم يسبق للمثقف الليبي أن وُضع على المحك كما يحصل الآن ، بمعنى أنه لم يسبق لمقولاته وقضاياه وآلياتها أن تعرضدت للاختبار كما تتعرض له الآن.
مع اتفاقنا منذ البداية على أنه ليس هناك جدل حول دور المثقف في التغيير، ولكن يبدو أن منطق الجدل المقبول حاصل حول حجم هذا الدور وشكله.
يسعى هذا المقال إلى التعرض إلى قضية لوحظ غيابها محليا وإقليميا تتمحور حول دور وفاعلية النخب المثقفة في ليبيا في التحولات المتسارعة التي شهدتها بلادنا خلال العشر سنوات الأخيرة.
بيد أن مناقشة وتفكيك هذه الإشكالية يكتنفه العديد من الصعوبات والتعقيدات، والمجال هنا لايسمح بتناول المسألة بشكل مفصل ولكن يمكننا من خلاله تناول الأطروحة أو الفكرة التي أسعى لطرحها هنا، بحيث أسعى لمحاولة التنبيه والإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية ويمكن صياغتها في طرح التساؤل التالي:
أين المثقفون الليبيون مما يحدث من أزمات وأحداث وحروب وتحولات مزلزلة للوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا؟
وإن كانت سذاجة من نوع ما تطال هذه التساؤلات…إلا أن القراءة المتأنية لمحاولة فهم الإجابة عنها تضعنا أمام الحفريات اللازمة للتعرض لمرحلة سابقة لخمسين عاما مضت.
تلك المرحلة التي نمسيها مرحلة المجتمع المنغلق والتي اتسمت بإسكات وقمع المثقفين والمفكرين، وكل ما من شأنه فكرا أو ثقافة أو إبداعا بل ومعاقبة مرتكبيه، وإن كان ذلك بقتلهم، لاشك أن تلك المرحلة لها تباعتها على هذه الفئة لاحقا.
آخذين في الاعتبار أن الثقافة بمعناها الواسع قد أصبح لديها بنية منفصلة وأصبح الحديث عن اقتصار دور المثقف على الفهم والتفسير له مايبرره حتى وإن كان ذلك لا ينسحب على مجتمعاتنا المتغيرة. وعلى كل حال ننظر للمثقف بوصفة فاعلا اجتماعيا مؤثرا والمجتمع بحاجة إلى دوره؛ لأنه منتج مبتكر لحلول تغيب عن فاعلين آخرين كالقادة والساسة ومتصدري هرم السلطة بشكل عام .لأنه يقدم رؤية نقدية للدوافع وهو بذلك لايقبل المفاهيم على علاتها ويحاول تكريسها وإعادة إنتاجها، وكما نشير هنا إلى أن مصطلح النخبة خصص لفئة اجتماعية تمارس بشكل مباشر أو غير مباشر دورا رائدا في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي الحقول العلمية والمعرفية والثقافية، ولذا فإن واقع حال هذه النخب المثقفة يدعونا اليوم وبإلحاح إلى البحث عن منظومة نظرية نقدية تعالج واقع حالها، إلا أن الملاحظ أن هذا الفاعل المثقف لم يدخل طرفا في معادلة التحول في ليبيا، ولذا ينظر المجتمع بعين الريبة نحو منتجي الأفكار بوصفهم لا يفعلون شيئا حقيقيا بل ينعتونهم بنعوت تفصح عن هشاشة وغياب دورهم، وعلينا الانتباه إلى أننا هنا لا نقصد البحث عن المثقف اصطلاحا لأن ذلك يدخلنا في دائرة جدلية لا طائل منها في هذا المقام، وعلينا تجاوزها رغم أهميتها، كما أننا وعندما نتحدث عن النخب في صيغة الجمع فإن هدفنا لايتوقف فقط على إبراز تعددها الفئوي ولكن نعنى بمسألة مشروعية دورها الاجتماعي والسياسي والثقافي، وفي هذا السياق ثمة أمور عديدة تستحق الاهتمام من أجل إدراك طبيعة هذه التغيرات ومدى تدخل النخب المثقفة في مختلف مسارات الإصلاحات السياسية والدستورية، ومن هذه الأمور نذكر مكانة المرأة في الفضاءات العامة التي مافتئت تتزايد، ودور النقابات التي أخذ يتعاظم في التفاوض مع النظام مثلما فعلت نقابات المعلمين ومجلس النواب في زيادة الأجور2017 ، لكننا نوجه التركيز وتوجيه الأنظار إلى فكرة مفادها أن المثقف في ليبيا سيواجه أنساقا متحجرة لم تتعرض إلى جهد نقدي منذ حقب تاريخية.
طويلة تقدر بالعقود تلك البنية المجتمعية التي تشكلت عبر أنساق ثقافية وعقائدية وأخلاقية ومعرفية تحتاج منه إلى مراجعة نقدية جذرية وبهذا تحتاج إلى جهود المثقفين اللييبيين لتفكيكها وبث الحياة فيها من خلال الإنتاج الواعي للثقافة، كل ذلك لأننا نؤمن بأن المثقف لا يلجأ إلى إقامة أنساق معرفية لأن هذه الأخيرة عندما تكون جاهزة تكون على الدوام عصية على النقد، وتتحول فيما بعد إلى أنساق متكلسة تقف عائقا أمام أي تغيير في المجتمع، كما يلاحظ ومنذ أحداث التغيير في فبراير 2011 أننا ننظر إلى الاختلاف بوصفه فتنة على الدوام، وهذا أدى إلى محاربة التغيير المنشود بكل تمظهراته السياسية والاجتماعية والفكرية في مشهد يجسد نكوصا حضاريا رهيبا، وبالتالي الرهان على النقد واستخدام الفكر توقف..وجمد. وسيطرت لغات أخرى كانت أكثر فاعلية في رسم السياسات كلغة العسكر وبكل تفاصيلها ومستوياتها‘ إضافة إلى أصوات القادة الميدانيين باختلاف مرجعياتهم الفكرية، ولغة الساسة الذين لم يمارسوا السياسة قط، بسبب كل ذلك تعثرت مسيرة بناء الدولة، وتوقفت خطوات السير حسب المراحل المقررة للتحول الديمقراطي، وربما سقط عدد من المثقفين في الاستخدام لتلك الأصوات.
تأسيسا على ما سبق……
أقول وبكل جرأة نحن نحتاج إلى قوة اقتراح قوة فكر منتج مبتكر لحلول مقنعة تساهم في دفع التحولات في ليبيا نحو الاتجاه الصحيح، ولذا وجب ألا يغيب تفكير المثقفين أمام سطوة العنف مثلا أو القمع حتى وإن كنا نعي ثمن الفكر والكلمة في زخم الأحداث، فهي مسيرة نظال يجب أن تكتمل.
وتتويجا لهذه الأفكار وبأكثر عملية وواقعية أقترح تشكيل رابطة للمثقفين الليبيين تظم أكبر عدد منهم وتجتمع وتضع الخطط وتكون أكثر حضورا وقوة وفاعلية من غيرها.
أعتقد عندها قد نتلمس الدور الغائب للمثقفين.