المُحرّمات الليبية.. باقية وتتمدد!
حمزة جبودة
ليس سهلاً أن تدخل هذا العالم المُخيف الذي استوطن في ليبيا منذ سنوات، العالم الذي يحتوي على مُفردات وأسماءٍ وعناوين وأماكن وأفعالٍ يُمنع الحديث أو حتى الكتابة عنها. لأنك وبمُجرّد أن تُفكّر في الدخول إليه ومحاولة اكتشافه، تحكم على نفسك بالقتل أو الاختطاف، أو المطاردة، بمجرّد أن تطرح التساؤل حول وجودهم في حياتنا، ولماذا هُمّ يتحكّمون في مصيرنا وكل تفاصيل حياتنا؟ عليك أن تتيّقن أنك ستُطرد من بيتك ومدينتك وبلدك، وستخرج مهزومًا لأنك خرجت عن قانون اللعبة التي صنعوها لكَ، ولم تمتثل لقواعدها التي تقول: اصمت أو اكتب ما يحلو لنا. وإن لم تُصدّق ما أكتبه الآن، جرِّب بنفسك وسترى النتيجة بعينيك!
لن أكشف أسماء هؤلاء الذين يملكون الأرض باسم الدين والثورة، ويملكون البشر الذين يخضعون دومًا لسُلطة المُنتصر على الأرض، بل سأتجاوز هذا، وأذهب إلى ما أستطيع الكتابة عنه وكشفه بطريقتي، أو بطريقة الكثير مِمّن خرجوا من أرضهم، لأن أحدهم هدّدهم بالقتل، أو الاختطاف، وأصبحوا اليوم في بلدان أخرى، يُراقبون ما يحدث في بلدهم “ليبيا” بحسرة وغصّة في القلب.
بدأت القصة حين ازداد عدد الذين يُختطفون من بيوتهم ومن مُدنهم، من قِبل جماعات مسلحة تنتمي لبعض الأجسام السياسية والعسكرية، وبعضها الآخر جهويا وقبليًا يتلقّى أوامره من قادة قبائل وعائلات تستحوذ على بعض المناطق، وترفض أيّ صوتٍ يُعارض صوتها، وهذه القصة ليست من تأليفي أو فكرة خطرت لي في لحظة هدوء، بل حقيقةً يعرفها الجميع في ليبيا، ويفهم قوانينها التي كُتبت ببنادق الكلاشنكوف وسُلطة أمر الواقع والإرهاب الجسدي والنفسي لمن يرفع صوته عاليا. وبإمكان أيّ إنسان في ليبيا “لا المواطن” أن يكتبها بنفسه ويكشف عنهم، إن أراد طبعًا.
كم حالة قتل واختطاف، تمّت في ظروف غامضة؟ كم عدد الذين يقبعون “الآن” في سجونٍ لا تعترف إلا بزعيمها “الديني، أو الجهوي”، كم عدد الذين خرجوا من هذه السجون وتجرأوا على الكلام. لا أحد، باستثناء القليل الذين نجحوا في”الهروب” خارج أسوارهم. والغريب في هذه “المُحرّمات” تأخد شرعية بقائها من بعض قادة الأجسام السياسية والعسكرية في ليبيا، ولا نرى لهم أي صوت أمام حالات الانتهاك الجسدي والنفسي لليبيين.
يستطيع الكثير مِمّن سيُترجمون الكتابة عن “المُحرّمات الليبية” على أنها محاولة للانحلال الأخلاقي والاجتماعي من وجهة نظرهم، ودعوة للفوضى والتمرّد اتجاه العالم الخاص للجماعات والأفراد، لكن في المقابل لا يستطعون الفرار من حقيقة الوضع الذي نعيشهُ سويًا في ليبيا منذ سنوات، لا يستطيعون نكران أن هذه التصرّفات أصبحت أكثر قوةً وأكثر نفوذا من السلطات في كل ليبيا.
يأتي الأمر الآخر في هذا العالم المُخيف، وهو اجتهاده في تغيير وقلب المفاهيم، وعلى سبيل المِثال، كُنّا نعرف قديمًا كلمة “عيب” التي تُقال اتجاه أي فعل أو كلمة تُسيء لأحدهم أو لمكانٍ ما، أما اليوم فأصبحت كلمة: “حرام” تُقال لأيّ فِعل أو حدث يُخالف تعاليم “العالم المُخيف”. ولا يقتصر الأمر هُنا على العيب والحرام، بل يشترك معهم في ذلك العالم، قادة “البيت الوطني” الذين يستطيعون استبدال كلمة “رأي مُخالف” إلى “خيانة عُظمى” وأن الحديث عن “الرمزّ” دون استخدام المُفردات المُعتادة مثل “القائد أو الزعيم، المُنقذ” فإنك ستتحوّل في لمح البصر إلى خائن ومُرتشٍ وتملك أجندة لتدمير ليبيا.
رُبّما سيطرح أحدهم لماذا الحديث عن هذه “المُحرّمات” الآن على وجه التحديد، لماذا البحث عن ملفات لن تُفتح في أروقة الوزارات المُختصّة، أو الجهات الأمنية المُعترف بها في العالم “الجيش، الشرطة”، سأُجيب وسأحاول أن أكون هادئًا في هذه الإجابة.. ببساطة لأنني لا أُريد أن تستمر هذه الأفعال، لأنني لا أرغب في أن يخطف “العالم المُخيف” أحد الآباء أو الأُمّهات، أو الأبناء والأصدقاء، كل الليبيين. لا نرغب “جميعًا” أن نقرأ بيانات تدعو لفتح التحقيقات وتُنسى بعدها بيوم، لا نرغب في بقاء هؤلاء يحكمون على الأرض في ليبيا.. يكفي عبثًا.