المواطن المذبوح يذبح
طه البوسيفي
يذبح الليبيون ـ يضحون بالخراف ويا حبذا الوطنية منها ، تلك التي تمرغت في البراري وعلق بصوفها الشوك وسمئت أسنانها من قضم التبن والحشائش وامتئلت خياشيمها بتراب الوطن. الوطني إن كان من سبيل إليه فهو المطلب والمنى ، وإن لم يكن من الإسباني بُدْ ، فحتى من تربى في مراعي أكستريمادورا ومزارع جريدوس الدافئة قرب العاصمة مدريد يصلح أن يكون بديلاً للحمة الوطنية
المواطن المذبوحُ المكلومُ المغبونُ يسن السكاكين، يجعلها تقطع من نصف ضربة ، يحز رقبة الشاة من أوداجها ، هو بذلك قد وضع السكين على رقبته، أهلك نفسه بمبلغ أحوج ما يكون لو هو وضعه في موضعه الأحق به.
في لييا ليس هنالك لدى كثيرين القدرة المالية على شراء أضحية قد يصل ثمنها الى 2000 دينار، وأغراض الذبح والشواء ولوازم الموائد من مشاريب طبيعية وغازية وفواكه وخضروات ، لكنه وعلى الرغم من الأبواب الأخرى المفتوحة والأكثر أهمية التي تحتاج إلى إغلاق ، يجد نفسه مرغماً _لا شعورياً _على شراء الأضحية ، و هنا نعرج قليلاً على حالة الفصام ما بين النفس المفردة والنفس الجماعية ، فالنفس المفردة قد تتصالح مع قدرتها المالية وتقتنع في نهاية المطاف بعدم ضرورة شراء الأضحية والاكتفاء ببضعة كيلو غرامات من اللحم ، وبالمقابل استغلال مال الشاة في أمور أخرى ملحة ، (منها مصاريف العام الدراسي الجديد ، مصاريف مونة الشهر المرتفعة ، البنزين الذي قد يختفي في أي لحظة فيرتفع ثمنه أضعافا مضاعفة ) ، لكن حين تنصهر النفس المفردة في المجتمع تشكل مع مثيلاتها نفساً جماعية أو جماهيرية بتعبير غوستاف لوبون فتتحول الكماليات إلى أساسيات ، وتصير أضحية العيد أساساً فوق كل اعتبار وأولى أولويات الأسرة وذلك كي يتجنب المواطن المذبوح سهام المتلصصين التي تقذفها أعينهم ، وكي لا يشعر بالدونية ، وكي لا يقال : فلانٌ لم يضحي إنه فقير .
سماع أصوات الخراف عادة ، جرها من قرونها وربطها ليلة العيد فوق أسطح المنازل وفضاءات المنازل عادة ، ونحر الأضاحي كذلك أضحى عادة أكثر منه عبادة من دون إلغاء النية في التقرب الى الله من خلالها ، لكن القصد الأسمى هو الفداء (وفديناه بذبح عظيم) ، التي تشير إلى إسماعيل عليه السلام بعد ما رآه أبوه إبراهيم عليه السلام في المنام (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى).
تظل الغاية من الذبح في عيد الأضحى المبارك باتجاه القبلة هو تثبيت وتفعيل معاني الإخاء والبر عبر التصدق للفقراء واليتامى والمساكين بلحوم هذه الاضاحي ما سيعزز أواصر القربى بين افراد المجتمع ، ويجعلهم متماسكين أكثر ، متحابين أكثر ، متكافلين متكاتفين أكثر وأكثر خصوصاً في أوقات الفرقة والشقاق التي تشهدها بلادنا ، فهل هذه الغاية اليوم في ليبيا منسجمةٌ مع ما يمر به المواطن من ظروف صعبة ؟ في رأيي المتواضع لا ، لأن المواطن الذي يجب أن يقبل التبرعَ بسبب ظروفه الصعبة هو نفسه يضيف فاتورة ثقيلة إلى كاهله ويوجه السكين الحاد إلى رقبته ليضحي مرتين ، مرةً بالشاة ومرة بنفسه.