المكتبة (9)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
جمعة بوكليب: كاتب ليبي، مواليد طرابلس الغرب 1952، بدأ الكتابة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
صدر له: (حكايات من البر الإنكليزي في ثلاث طبعات، الأولى ـ 2008 ـ دار ليبيا للنشر، والثانية دار الفرجاني للنشرـ 2009، والثالثة عن الفرجاني ـ 2016)، و(خطوط صغيرة في دفتر الغياب في طبعتين، الأولى ـ دار الأهرام العربي، والثانية دار الفرجاني ـ 2016)، و(ترياق للثعابين ـ ترجمة ـ 2015 ـ دار الفرجاني)، و(ما بعد الاستعمار والقومية في المغرب العربي ـ مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 2014).
ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ القراءة جاءت بي إلى الكتابة. شغفي بالقراءة بدأ في سن مبكرة، من خلال مجلات الأطفال المصورة المصرية، ثم الصحف والمجلات الليبية والمصرية، وانتقلت إلى الروايات والقصص العربية والمترجمة. القراءة مهدت وعبدت لي الطريق، ووطدت علاقتي بالكلمات وبالصور، وحفّزت خيالي على الرفرفة بجناحين صغيرين. في البداية كانت مرحلة تقليد ومحاكاة ما كنت أقرأ من قصص وروايات وقصائد شعر. وأفضى ذلك بي إلى الاحتماء بعباءات من كنت أقرأ لهم وأحبهم من المؤلفين. التقليد تواصل لفترة زمنية لابأس بها، إلى حين نضجتْ موهبتي بمرور الوقت. وتمكنتُ بعد فترة زمنية ليست قصيرة من الانفكاك وبصعوبة من تأثير غيري من الكتاب، من خلال العمل على اكتشاف إيقاعي وبصمتي الخاصّين، وبناء معجمي اللغوي، والسير، وسط الزحام مع غيري، ولكن بإيقاع خطوتي.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
ـ لا أتذكر، على وجه الدقة والتحديد، كتاباً بعينه قرأتُه وترتب على ذلك حدوث تغيير في حياتي. لكن الكتب عموماً غيّرت حياتي. القراءة عملية تراكمية كمّياً، تؤدي، بمرور الوقت، إلى تغيير نوعي. بمعنى أن الحرص على متابعة وقراءة ما يصدر من كتب في الأدب واللغة والتاريخ والسياسة وغيرها باستمرار، يجعل من الصعب عليّ تحديد أي من تلك الكتب التي قرأتُ وأحببتُ غيّرت حياتي. هناك كتب جيدة، وأخرى أقل جودة، وأخرى متميزة جداً. ثمة كتب تظل معك، تتذكرها وتعود إليها من حين لآخر، وأخرى تنساها بعد فترة من الزمن. لكن بالممارسة يبدأ المرء في تعلم اقتناء الجيد من الكتب. ولا أنكر حقيقة أن كل تلك الكتب التي قرأتها قد ساهمت، ضمن أشياء أخرى لا تقل عنها أهمية، في تغيير حياتي إلى الأفضل كإنسان أولاً، وككاتب ثانياً، وزادت من توثيق أواصر علاقتي بالحياة على مستويات عديدة، وزادت من إحساسي بالانتماء للإنسانية، وحبي للعدالة والخير والجمال.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ لا يمكنني تذكر أول كتاب قرأتُه، خارج الكتب المقررة آنذاك في المنهج المدرسي. لكن من الممكن تذكر الكتب التي كنت حريصاً على قراءتها في مرحلة عمرية معينة. مثلاً روايات نجيب محفوظ، ومسرحيات توفيق الحكيم وقصص يوسف إدريس ومحمد عبد الحليم عبدالله ويحيى حقي ميّزت قراءاتي في مرحلة المراهقة وبداية مرحلة الشباب. أضيفي إلى ذلك أن علاقتي بما كان يكتبه وينشره الكتاب الليبيون بدأت مبكرة، وكانت تسير يداً بيد مع ما كنت أقرؤه لغيرهم من الكتاب العرب.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ علاقتي بالكتاب الإلكتروني للأسف تكاد تكون معدومة. ويبدو أن علاقتي غير الودية جداً بعوالم التقنية السبب وراء ذلك. ما زلت أحرص على اقتناء وقراءة الكتب الورقية، رغم ما تسببه لي من كدر حين تتراكم من حولي، ولا أجد لها مكاناً شاغراً على رفوف مكتبتي.
ـ الكتاب الذي تقرؤه الآن؟
ـ بين يديّ حالياً رواية ألمانية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية بعنوان( اذهبْ، ذَهب، مضى – Go went Gone) لكاتبة ألمانية اسمها( Jenny Erpenbeck ) لم أقرأ لها من قبل. وما حدث هو أنني قرأتُ في الملحق الأدبي الأسبوعي لصحيفة الفايننشال تايمز عرضاً عن كتاب صدر لها حديثاً بعنوان (ليس رواية – Not A Novel). الكتاب صدر باللغة الألمانية وترجم إلى الإنجليزية، ويضم مقالات وتأملات عن طفولتها في ألمانيا الشرقية قبل إزالة جدار برلين، كما يتعرض لآرائها في العديد من الكتاب الألمان، وتجربتها في الكتابة. ولذلك قررت اقتناء الكتاب لغرض قراءته. ونظراً لأن الكاتبة روائية معروفة، وصدرت لها عدة روايات قيل إنها متميزة، قررت اقتناء آخر رواياتها وقراءتها أولاً، بغرض تكوين فكرة عن عوالمها الروائية. حين أنتهي من قراءة الرواية قريباً، سوف ألتفت باهتمامي إلى قراءة ما دونته من مقالات وتأملات في كتابها الجديد.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ علاقتي بالموسيقى مؤخراً، أعني في السنوات الأخيرة، تضاءلت لأسباب عديدة ليس من بينها تقدمي في درجات سلم العمر، بل ربما كثرة انشغالي بالكتابة، والتزامي أسبوعياً بكتابة ثلاث مقالات لثلاثة صحف مختلفة، مضافا إليها رغبتي في مواصلة الكتابة الإبداعية، من خلال ما أطلقت عليه (مناكفات الربع الأخير). لكني أحب الموسيقى جداً، العربية وغير العربية. وما زلت أفضل الاستماع إلى الأغاني العربية القديمة، وبالأخص أغاني فيروز نجاة الصغيرة، وعبد الحليم، وسلام قدري، ومحمد رشيد. وأحب جداً أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة. ومن الأجانب ما زلت أفضل سماع أغاني بوب مارلي، وبوب ديلون، وليونارد كوهين.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
ـ العلاقة بمؤلفاتي مختلفة. فما أكتبه وأنشره من مقالات لا أعود إليها إلاّ لماماً، كي لا أكرر نفسي. لكن العلاقة بما نشرته من أعمال ابداعية، ممثلة في القصة والشعر، علاقة مختلفة، لارتباطها بتطور تجربتي الإبداعية. أحياناً أعود إليها بعينّي ناقد.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ بعد ما أحدثه الوباء من تغيير، لا أعرف ما الذي سيغير العالم مجدداً، أو لماذا؟؟ لكن الكتابة وحدها ليست مسؤولة وحدها عن تغيير العالم، بل هي نشاط إنساني ضمن ضفيرة كبيرة من الأنشطة والعناصر والعوامل الأخرى، وخاصة ما نشهده في مجال التطور التكنولوجي. وهذا لا ينفي حقيقة تاريخية وهي أن الكتب المقدسة، على اختلافها، في فترات تاريخية معينة، تمكنت من تغيير العالم.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
– الجزء الأكبر من مكتبتي يحتوي على ما يشبع اهتماماتي الثقافية والأدبية والسياسية والتاريخية واللغوية.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ ما يشغلني اليوم هو الوضع المربك في ليبيا، وصعوبة الخروج من النفق الذي دُفعنا إليه، وكلفنا الكثير جداً، والخوف من انقسام ليبيا وضياعها. يشغلني، أيضاً، وضعي النفسي وتداعياته، في مرحلة متقدمة من عمري، في عالم يتحرك بإيقاع سريع لم أعد أستطيع مجاراته. ويشغلني الخوف من أن يتمكن مني الموت، قبل أن أتمكن من الإمساك بقيادة تفاصيل رواية تراوغني بمكر منذ سنوات، ولم أتمكن بعد، لأسباب عديدة، من السيطرة عليها وكتابتها.