المكتبة (46)
نُخصص هذه المساحة الأسبوعية كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
هدى الهرمي شاعرة وقاصة وباحثة في الأدب من تونس، نشرت نصوصاً ومقالات في الفكر والأدب في عدة صحف ومجلات محلية وعربية ومواقع إلكترونية، إضافة إلى مشاركات في أمسيات شعرية وتظاهرات ثقافية.
ـ عضوة برابطة الكاتبات التونسيات وبحركة شعراء العالم.
ـ صدر لها: مجموعة شعرية بعنوان “ظلال الأجنحة ـ 2018” ولديها مجموعة قصصية قيد النشر بعنوان “عميان المنطقة المحظورة”.
– ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ ثمة علاقة وطيدة بين القراءة والكتابة، ولا يمكن أن تتضح معالم الشغف بالكتابة إلا من خلال المخزون الفكري، وما تشكله المطالعة ببعدها الزمني في الذات، من تزود معرفي تستلزمه القراءة المتعددة مع منطق النهم الأدبي لكل ما تطاله من كتب، بدءاً بمكتبة المدرسة والمكتبة العمومية ثم دار الثقافة. إنها علاقة جدلية بين وظيفة القراءة وبين الفعل الإبداعي، ولا تتحقق مهمة الكتابة بالنسبة لي إلا بصهرهما معاً، فضلاً عن الموهبة المؤجلة إلى حدّ الامتلاء بنسبة تتضح فيها الرؤية لخوض هذه التجربة، التي اعتقد أنها مستقاة من مراحل عمريّة مختلفة. والبداية كانت مع قصص الأطفال على نحو شكّل إدراكي الحسّي، ثم الولوج تدريجياً إلى عوالم الرواية والأدب عامة، التي نحتت شخصتي وهويتي. كما يمكن القول إنني كنت مأخوذة بباقة من النتاج الشعري والسردي خاصة بمختلف مشاربه. فقد دخلت متاهة الكتابة وأنا يافعة، وأذكر أنني كتبت قصة بوليسية في عمر الخمسة عشر، نظراً لولعي الشديد بالقصص المشحونة بالحركة من خلال مجلات الأطفال حينذاك.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟
ـ من أكثر الكتب التي رسخت ببالي رواية “الفضيلة” أو “بول وفرجيني”، وهي نتاج أدبي لكاتبين عظيمين، هما الأديب الفرنسي برناردين دي سان بيير والأديب والمترجم المصري مصطفى لطفي المنفلوطي الذي عرّبها. ورغم قراءتي لهذا الكتاب في مرحلة دراستي الثانوية، إلا أنني أجده الأكثر تأثيراً في حياتي، لما يزخر به من قيم ومبادئ نصبو إليها الآن في زمن التيه والتحولات السريعة الذي اضمحلّ فيها النبض الإنساني.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ في الحقيقة لا أستحضر عنوان أول كتاب قرأته، لكن أعتقد أن مجلّد “ألف ليلة وليلة” كان أول كتاب بقي بحوزتي لسنين طويلة، وكان هدية من أحد أقاربي حينها، وأنا طفلة العشر سنوات تقريباً.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ علاقتي غير جيدة نوعاً ما بالكتاب الإلكتروني، ولا أستسيغه كما أجده متعباً للنظر ولا جاذبية فيه. صراحة أكون مضطرة للإطلاع على كتاب إلكتروني في إطار البحث الأدبي أو حين يُرسل لي من طرف أحد الأصدقاء أو الزملاء الأدباء. إن متعتي الخالصة تكمن في لمس الكتاب الورقي وتصفحه لا غير.
ـ الكتاب الذي تقرئينه الآن؟
ـ رواية “السرّ المكنون” من سلسلة إبداعات عالمية، للشاعر والكاتب الأيرلندي سبستيان باري، ترجمة د.طيبة صادق. ومن طقوسي الثابتة قراءة الرواية على مراحل، وكأنه التماس أن لا تنتهي الرواية، خصوصاً حين تتحقق لي متعة رهيبة منذ الفصول الأولى.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ الموسيقى التي تُحدث فيّ هزة عنيفة وتلامس إحساسي، بهذا المعيار تغدو المفضلة بالنسبة لي. لكن أريد أن أحتفي خصيصاً بالموسيقى التي يبتكرها العازف والموسيقار العالمي “ياني”، لأنها تُحلّق بي غالباً في الفضاء الرحب وتنتزعني من الواقع الضيق، كما تتيح لي فرصة الحركة كأنني أتنفّسها بعمق.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
ـ رغم أنه مؤلف واحد والمتمثل في ديواني النثري “ظلال الأجنحة” الصادر سنة 2018، في انتظار مجموعتي القصصية التي ستصدر قريباً، لكنني أعتبره مولودي الأول، فأعود إلى قراءته من حين لآخر، وكأنني واقعة في مداره وتأثيره البكر، الأمر الذي يجعلني أبحث عن هويتي الأدبية كل مرّة، وبالتوازي أحاول التواري عنه لأصل إلى قوّة جذب مختلفة حتى لا ألتصق به. بموجب ذلك أقتنص حبائل متجددة للكتابة بثيمات وأجناس متعددة لأنني أميل إلى الشمولية والتعمق في الأدب عامة.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ الكتابة قادرة على تغيير نمط التفكير وأسلوب الحياة، وهو ما يفضي ربما لتغيير العالم. ينبغي أن نسعى دوماً ككُتّاب إلى تشكيل رهان فكري ذي طبيعة ثيمية سمتها رؤية الوجود بأساليب مبتكرة، تتجاوز إرهاصات الواقع وانهياراتنا الحسية. فالأدب أساساً هو رسالة إنسانية قادرة على تحطيم القبح والانفلات من الخواء. لذلك نحن بحاجة أكثر من أي وقت للكتابة حتى نغير سياقات العالم الشاذّة والمتملّصة من كل القيود الفكرية والأخلاقية.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ رغم أن مكتبتي صغيرة، لكنها متنوعة في المحتوى فتجد فيها كتب الفلسفة والتاريخ وحتى الكتب الدينية، لكن تظل قائمة على الأدب بنسبة كبيرة، بين الروايات العالمية والعربية والمحلية أيضاً، إضافة إلى المجموعات الشعرية والقصصية وأيضاً حزمة من المجالات العربية الثقافية.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ المستقبل هو الهاجس، ووفق ما نعيشه الآن من تطاحن وخصومات وحروب، لا شك أن انعكاسه مخيف وهو معربد في حواسنا وعقولنا، وعلى الصعيد الشخصي ما يشغلني هو انحدار الذائقة الأدبية والفنية والانقسامات صلب الحراك الثقافي دون وجهة ولا بوصلة، وهو ما يؤثر بالضرورة على الفعل الإبداعي كرسالة لا كمحتوى متخبط وزخم هجين.