المرأة بين ديمقراطية القشور… وديمقراطية اللباب
أبو القاسم اقزيط
الديمقراطية منتج ثقافي في التحليل الأخير، وعملية نقل الديمقراطية كأي عملية نقل ثقافي، ليست مضمونة النتائج، لأن علاقتها بالإنسان، وليس بالأشياء، ومشكلة العالم الثالث دائما مع النقل الثقافي لا التكنولوجي، حيث هناك ترحيب كبير بالتقنية وتخوف أكبر من المنتج الثقافي، هو خوف على الهوية، المبنية على فهم خاطئ تماما _ فيما يخص العالم الإسلامي_ لقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران 110). فلقب خير أمة ليس معطىً سرمدياً، بل هو مشروط، وهذه الشروط كانت متوافرة في زمن من الأزمان، لكن بالقطع ليست متوفرة الآن، ولا يمكن تصوّر أن أمما في قاع العالم، و تمتلك الهوية الأنصع، والشخصية الأكثر ثراء واكتمالا، لذلك يقال إنَّ الديمقراطية هي تغيير يقعُ في صندوق الرأس، قبل أن يقع في صندوق الأصوات، ويصعب نقل العملية الديمقراطية دونَ استيعاب منظومتها الثقافية، لا ديمقراطية دون تنوير ، ولا ديمقراطية دون أخلاق؛ بروتستانتية أو ما يعادلها، وأحد أهم محكّات تشخيص التحلّي بالروح الديمقراطية؛ هو الموقف من المرأة عموما، لا يمكن أن تكون مؤمناً بالديمقراطية وأنت تبخس نصف المجتمع، وتهمّش وجوده.
من أطروحات اليسار الأوليّة أنّ التحرر السياسي هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للتحرّر الاقتصادي، لذلك فإن أوّل خطوات الحرية للمرأة هو امتلاك مصيرها الاقتصادي، يقول أحمد إبراهيم الفقيه في ثلاثيته الشهيرة، إنَّ المثقّفَ الشرقيّ ليس متحضرا، فقط لديهِ قشرةٌ حضارية! تسقط في أوّل اختبار حقيقي لها، و دعاة الديمقراطية يؤمنون بها من ناحية نظرية، لكن لا يخضعون لشروطها.
المفكّر السوري الراحل جورج طرابيشي صرخ مبكرا قبل أكثر من نصف قرن قائلا؛ المجتمع العربي محكوم عليه بالتخلّف مادم نصف سكانه، 50 مليون ذلك الوقت، في وضعيّة دونية.
نضالاتُ المرأة لنَيلِ جزءٍ من حقوقها كانت فيها أسماء شهيرة مثل نظيرة زين الدين، وهدى شعراوي وغيرهن الكثير، في فضاء البلاد العربية، أمّا على الصعيد العالمي فإنَّ الفيلسوفة سيمون دو بوفوار هي الأبرز على الإطلاق، وكتابها الشهير “الجنس الآخر ” يُعدُّ علامة فارقة في تاريخ الحركة النسوية العالمية، كما أن قربها من مفكر القرن سارتر ، كان سببا إضافيا حتى تتحول إلى أيقونة للمرأة المتحررة في العالم، لا يمكننا بحال من الأحول إغفال كتاب “اللغز الأنثوي” للأمريكية بيتي فريدمان، الذي شكّل ثورةً في الفكر النسوي في العالم وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، أو كتاب “المرأة المخصيّة” لجرمين غرير؛ وما أثاره من جدل واسع، بمحتواه المستفز والصادم للوعي الجمعي الذكوري.
الحقوق تنتزع ولا تهب، وآدم غير مستعدّ للتفريط في ميراث السيادة، لذلك لا بد من استمرار الكفاح لاسترداد الحقوق، والمرأة كانت دائما داعية سلام وحب، و من غير المرأة ما كانت الدكتاتورية المريرة في الأرجنتين لتسقط ورموزها مثل خورخي فيديلا.
في تقديري المتواضع؛ المرأة الليبية لها أدوار مهمّة يجب أن تلعبها؛ أوّلها أن يعلوا صوتها لإيقاف العنف الهمجي غير المبرر الذي سربل الوطن بأسمال البؤس والشقاء، فالأم من ميلاد طفلها، وهي تنتظر يوم عرسه، يوم فطامة النفسي، يوم يحلّق بجاحيه طائرا من عشها ليبني عشا آخر، الأم تريد أن تزغرد لابنها في أثواب العرس البيضاء، لا أن تزغرد عليه وهو مسجى في رحلة ذهاب بلا عودة، زغرودة متحشرجة مخنوقة مثل صوت سكّير ثمل، وعيون تغرورق بدموع حارّة لذلك هي الأحق بأن يرتفع صوتها لإيقاف هذا التناحر.
المرأة هي التي تترمل، وتُترك لقدرها لتواجه غيلان المجتمع، وأفظع الانتهاكات تتعرض لها المرأة في الحرب.
الخطوة الأول حتى تكون مساوية للرجل، أن لا تكون للعضلة الكلمة العليا، وفوهات البنادق بعيدة عن العملية السياسية، فقط عندما تسود الإرادة الحرة والكرامة الإنسانية، عندها فقط يكون صوت المرأة مساويا للرجل.
و ثانيهما هي قضية المرأة و جعل العملية الديمقراطية تصل اللباب والعمق، ولا تتوقف عند القشور، فالكلام عن دونية بيولوجية أو عقلية هو هرطقات وتجديف بحق الإنسانية والرب، كذلك الخطوات التي يتقدّمها الرجل عن المرأة هي نتيجة سياقات تاريخية، وعادات كبّلت وما زالت تكبّل المرأة، وتمنعها من التحرر، والانطلاق، تارة باسم الدين، وأخرى باسم العُرف والعيب، وكتابُ الديمقراطية واحد، والعيب أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفرُ ببعضه الآخر.