“القبيلة والقبلية والدولة العصرية”
عبدالله الغرياني
القبلية في بلادنا أصبح يرتفع مستوى تمثيلها بسبب عجزنا عن الوصول للدولة العصرية التي تنبذ وتعارض الصوت القبلي، وتكفل للمجتمع الحياة المدنية التي تكون فيها القيمة الأولى للفرد، ماذا يُقدّم وما الذي لديه من جهد أو معرفة يساهم في سير الدولة نحو الحداثة، وفي المقابل ما الذي تُقدم له في المقابل الدولة من فرص تنهض بالفرد الذي هو بطبيعة الحال مواطن أو مواطنة الذي تحميه الدولة المدنية العصرية التي لا مرجعية لها إلا الدستور والقانون، ولا تضع حدوداً أمامه للمعرفة والإبداع والتقدم، في بلادنا ليبيا أصبحت القبلية محركاً يعرقل وصولنا للأمم رائدة الحداثة والعصرية والتقدم، فالوزير في بلادنا أتى للوزارة من خلال القبلية والمؤسسات تحميها القبلية بالولاء فلا يمكن لابن إحدى القبائل النقد أو الرفض لأنه حتماً سيرفع عنه الغطاء الاجتماعي وهذا الغطاء يعتبر أداة من أدوات القمع لدى القبليين اتجاه أفراد قبيلتهم الذين يعارضونهم أو يختلفون معهم، القبلية أصبحت في بلادنا تضرب كل محاولات للتقدم فمن خلالها يتم إقصاء الناجحين والمبدعين في مجالات متعددة بدوافع القبلية وعدم الانتماء للقبيلة، والمحاصصة أصبح معيارها قبلي وإذا كان مناطقياً فسيكون قبلياً بين سكان المناطق، مؤسسات كبيرة في دولة يعتقد القبليون أنها ملكهم وملك ابن قبيلتهم الذي لا يمكن لأحد التعرض له وإذا تعرض عليهم بالذهاب لإحراج قبيلته ليرفع عنه الغطاء الاجتماعي، وبهذا الرفع ينتصروا لابن قبيلتهم “لقد رفع عنه الغطاء الاجتماعي فهوا متعري الآن ولا خير فيه لدى قبيلته”، وهذا تخلف يعيق بناء الدولة العصرية الحديثة التي لا تستوعبها العقول القبلية المتحجرة المرفوضة لدى المستقبل والأجيال القادمة والناشئة اليوم، فالواجب علينا ونحن في هذا المسار الطويل نحو العصرية والحداثة إعلان معركة توعوية فكرية مكثفة تحجم على مراحل القبلية وتقضي عليها في آخرها وتنقذ المستقبل من هذه الآفة، وهذه مسؤولية النخب والمفكرين والأدباء والفنانين والإعلاميين والمدرسين داخل المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني كافة الذين يؤمنون بمواكبة العصر ويسعون لتحديث المنظومة الثقافية في ليبيا، التي دُمرت بشكل ممنهج لعقود من الزمن وكانت إحدى أدوات التدمير القبلية.
كذلك نأتي للقبيلة لا بد هي الأخرى من إنهاء مظاهر الحكم الذي تتمتع به والسلطة الاجتماعية التي قيدت المجتمع ضمن قيود متعددة أخرى، متجاوزة حدود الهوية والمرجعية الاجتماعية الخاصة بالفرد والمتداخلة في شؤون الدولة، وتعلب دوراً يجعل البلد في وضعية مزرية ويشار إليها بالبلد القبلي الذي لا حكم لدولة به غير حكم القبيلة، في إشارة للتعارض الكبير بين الريادة التي تصنعها الدولة وبين الحكم القبلي الذي يعرقلها، يرد أحدهم فيقول هناك فضل للقبيلة في الحفاظ على السلم الأهلي ووضع لمسات في المسارات السياسية وخلق الوفاق بين المتنازعين ودعت القبيلة أبناءها للحرب، وهذا جوابه بأن القبيلة لعبت دوراً ليس من اختصاصها فهذه القضايا لا تتدخل بها القبيلة فهي شأن الدولة وفي غيابها تدخلت القبيلة ولكنها لم تنجح في وضع أسس للدولة، ولم تضع الخطط لتساهم في نهضتها، ومن خلال المحاصصة القبلية أثبت الحال أن القبيلة معول هدم للمؤسسات، والوزراء الذين أتت بهم القبيلة ساهموا في التدمير والخراب وتعطيل عجلة الإعمار والبناء وأفرغوا خزائن الدولة من الأموال ووضعوها في خزائنهم.
الحفاظ على السلم وفض النزاعات وإعلان الحرب قضايا الدولة لا يشاركها بها أحد، وإذا الظروف الماضية أعطت السلطة للقبيلة فالمستقبل لن يعطيها كونه سيفتح أبوابه للعولمة والتقدم والابتكار، والذي سيكون مرجعيته العقل، فنحن عندما استقر بنا الحال في الخارج في دول عصرية ومتقدمة أصبح ما نقدمه هو يمثلنا نحن كقيمة داخل هذه المجتمعات لا ينظر للعرق أو لون بشرتنا أو الانتماء السياسي والفكري أو الأيمان الديني، فنحن نُقدم كأفراد ينظر لنا كقيمة نساهم في وضع ثوابت هذا التقدم من خلال نشاطاتنا أو أعمالنا اليومية، حقوقنا نأخذها كاملة ونحتج إذا لم نتحصل عليها تأتي بعد ذلك، لا نزاع يحدث وإذا حدث فهناك مؤسسات تنهي هذا النزاع بإنصاف وبشكل قانوني خالي من التحيزات، نداء الحرب لن يحدث إلا بقرار مصيري تقرره الأمة كاملة لضرورة هذه الحرب ومن حق أفراد الأمة الآخرين المعارضة دون رفع غطاء المواطنة عنهم.
القبلية والقبيلة هي قيد واحد من قيود متعددة قيد بها المجتمع بشكل عام، ويجب تفكيكه على مراحل، ومعركة فك هذه القيود سهلة جداً اليوم في ظل توفر التقنية التي يطالع من خلالها المجتمع يومياً أخبار العالم المتقدم، والنظم والديمقراطيات الرائدة التي لا صوت يعلوا بها إلا صوت التفكير والتقدم السريع والذي اعتبره رهيباً، ومن هذا الاطّلاع ينظر المجتمع لنفسك كم قيداً وضع له ليمنع من مواكبة التقدم ويؤسسوا قناعة بداخلهم أن العقل هو الوحيد الذي من خلاله سنصل لليبيا بلداً عصرياً متقدماً رائداً في محيطه مواكباً للعالم.