الغفلة في أيام السلم
عبدالحكيم بن عثمان
طوال أشهر الحرب جنوب طرابلس وكذلك على أطراف سرت والجفرة، كان الجنود من كل حدب وصوب مدججين بالأسلحة؛ يملأ الرصاص مخازنهم، متأهبين جاهزين مستنفرين، حتى أن الطير العابر في السماء يُخيل لهم بأنه طائرة مسيرة تكاد تغدر بهم، فيصبح كل منهم مستعد لضربها، برصاص أو بقذائف أو حتى بمضاد الطيران.
في الأثناء، كان السياسيون من كل طرف مكسوين بأفخم البذل، وتملأ جيوبهم الأقلام وحقائبهم الأوراق. ومستعدين، لتقديم مبادرات وقف القتال، حتى تم إعلان وقف إطلاق النار في بيانين متشابهين سطرهما رئيسا المجلسين الرئاسي والنيابي وحلت أيام السلم
وبين هذا وذاك، وعلى طاولات دول مختلفة يرسم أصحاب الأجندات الدولية، البيضاء والسوداء والملونة منها، رفقة عملائهم المحليين، خرائط حل الأزمة بطريقة تخدم مصالحهم، في صمت، سرا وعلنا، يبتسمون، والقصد إبراز أنياب ربما تنهش من يرفضهم أو يعارض حلولهم المفصلة لصالح الخارج.
منهم من يريد على حساب ليبيا أن يكون القوة الإقليمية الاقتصادية العظمى، ومنهم من يود أن يظهر بمظهر القوي العتيد الذي لا ترفض حلوله، وبالليبيين يطوِّع دولا أخرى لتكون تحت جناحه. وآخرون تكمن مصالحهم في خيرات البلد من نفط وغاز وغيرها، كأن لسان حالهم يقول “مالكم ليس من حقكم وهو لنا لا محالة”
وبينما هؤلاء مشغولون بأولئك، هنالك من يختفي ليصفي حساباته الخاصة، منهم من يستغل حالة الانشغال بحل الأزمة ليكيد المكائد لخصمه الذي كان صديقا ومواليا حتى وقت قريب، إما بالزج به في غياهب السجون أو تحييده عن تولي المناصب بفضح أمره وإفشال خططه، وهنالك من اتجه لأبعد من ذلك ، حيث وكما قرر المتخاصمون فإن أي حل يوحد مؤسسات الدولة، يجب ألا يتم إلا عبر المحاصصة . وتحديدا المناطقية بتوزيع السلطات على أقاليم ليبيا التاريخية “برقة ، طرابلس ، فزان”، فإذا كان رئيس المجلس الرئاسي الجديد من أحد هذه الأقاليم فنوابه يجب أن يتم اختيارهم من الإقليمين الآخرين ، فيما يتم اختيار رئيس الحكومة من إقليم آخر غير الذي تم اختياره على رأس المجلس الرئاسي.
ووفق هذا التقسيم يعمل طرف من أطراف الصراع الآن، وفي صمت كامل على استخدام هذه الورقة، للنيل من شخصية كانت حتى وقت قريب صديقه الصدوق، وداعمه السياسي القوي، وحليفه الودود، الذي يسعى لأن يكون على هرم المجلس الرئاسي المقبل، ولكن لخلاف ما نشب بينهم، جعل المكيدة تحاك لإخراجه من المشهد عبر إصرار ترشيح شخصية من ذات المنطقة الجغرافية، لمنصب رئيس الحكومة المقبل، وبذلك ستضيع الفرصة أمام أي شخص من نفس الإقليم للتقدم إلى منصب رئيس الرئاسي .
وبناءً عليه تظهر مجريات الأحداث وسيرها أن الأطراف الليبية كل منهم منشغل بذاته، في تصفية حساباته الداخلية، في حين أن المجتمع الدولي جاهز بحل، وربما بشخصياته التي ستتولى المناصب الجديدة، كما ظهر رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج من عدم في اتفاق الصخيرات، ودُعم دوليا، في غفلة من الجميع في مرحلة انتقالية جديدة تطول أو تقصر .إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يقرر من خلالها الشعب رئيسا وبرلمانا يمثلانه وحتى ذلك الوقت تبقى دوامة الصراعات ومتاهة اختيار الشخصيات مستمرة وستستمر دموع الثكالى والأرامل والأمهات تنهمر على أبنائهم الذين قضوا نحبهم في الصراعات الدامية التي شهدها الوطن في حروب الرابح فيها خاسر وسيبقى العمران المدمَر شواهد وأطلال حتى تأتي الدولة المستفيدة والتي كسبت جراء الصراع وتعيد الإعمار بأموال الليبيين.