العلم الإسلامي في تألقه وكبوته
خالد القشطيني
لم يواجه العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة محنة كما يواجهها اليوم بسبب الإرهاب والإرهابيين الذين أوقعوا الإسلام في الغرب في محصلة «الإسلام فوبيا» (الخوف من الإسلام). بيد أن رجلاً واحداً وقف وأدى خير رسالة في إعلاء صورة الإسلام بشكل لم يتوقعه أحد، وكان خير رد على الإسلام فوبيا. الأستاذ جيم الخليلي، عالم الفيزياء والأستاذ في جامعة ساري، هجر وطنه العراق مع أسرته في أيام صدام حسين واستقر في بريطانيا، حيث يدرّس في جامعاتها الآن. استغل مكانته العلمية وباشر في تقديم سلسلة من البرامج والأحاديث عن الإسلام ودوره في ميدان العلوم، كان آخرها سلسلة في تلفزيون القناة الرابعة من الـ«بي بي سي» بعنوان «العلم والإسلام».
تحدث في هذه السلسلة عن نشوء العلوم وتطورها ولهفة المتعلمين على الترجمة ونقل علوم اليونان إلى العربية. استعرض الأستاذ الخليلي منجزاتهم في سائر ميادين العلم. إنه يرى أن أهم ما قدموه للعالم كان علم الجبر وما خلفه الخوارزمي في الرياضيات وكان من ذلك استعمال الصفر. فلولا إدخال الصفر للأرقام لما استطاع الغربيون إحراز هذا التقدم العلمي الذي أعطاهم هذه الحضارة وهذه الثروة. الموضوع الآخر الذي أبدع فيه المسلمون كان في علم الفلك. يرى الأستاذ الخليلي أن علم الفلك أساس لتقدم سائر العلوم الأخرى. وقد وضع فيه البطاني والطوسي أسس تقدم هذا العلم. أعجبني فيه إثارتهم لموضوع الشك والشكوك وأهميته في البحث العلمي. وفي إطار ذلك جاء تشكيكهم في النظريات اليونانية وتفنيدهم لها. بيد أن العلماء المسلمين لم يستطيعوا تفادي الفكرة الخاطئة عن دوران الشمس والأفلاك حول الكرة الأرضية. هذا موضوع توصل إليه العالم الإيطالي كوبرنيكوس الذي أثبت أن الكرة الأرضية والأجرام السماوية الأخرى تدور كلها حول الشمس. وكان كوبرنيكوس مديناً للعلماء العرب، ولا سيما البطاني والطوسي في التوصل لهذه الحقيقة والاعتماد على حساباتهم الرياضية.
سحرني الأستاذ الخليلي ليس فقط فيما قدمه من معلومات، وإنما في أسلوبه الموفق الذي جرني إليه، وآمل ألوف المتتبعين الأجانب كذلك. كلها بالإنجليزية المطعمة باللهجة البغدادية ونكهتها.
في الحلقة الأخيرة من السلسلة، تحدث فيها عن الطباعة الآلية التي مكنت الغربيين من طبع الكتب العلمية بما سهل تداول المعلومات وجعلها في يد كل مواطن. وهنا أخفق المسلمون في هذا الموضوع. اعتزوا بالخط العربي، ذلك الفن الساحر، فلم يجرؤوا على التخلي عنه واعتماد حروف المطبعة. وهذا كما رأى الخليلي منع المسلمين من نشر المعلومات والعلوم فبقيت محصورة في أيدي القلائل. وعندما اضطروا إلى اقتباس الطباعة كان الغربيون قد فاتوهم في اعتماد العلم والفكر الحر. بيد أن الخليلي رأى أن تعرض العالم الإسلامي إلى الهجمات الضارية من الشرق على يد المغول ومن الغرب على يد الإفرنج ساهم أيضاً في خنق الفكر الإسلامي ومنع المسلمين من مواصلة مجهودهم العلمي.
ولا بد لي أن أسجل عميم شكري واعتزازي بالنيابة عن سائر العرب والمسلمين عما قدمه هذا الأستاذ العالم من خدمة للفكر الإسلامي.